مع اقتراب موسم الصيف المعروف بأيامه اللاهبة وبالرغم من التصريحات الإعلامية التي تطمئن المواطن أن صيف هذا العام سوف يكون الأفضل كهربائيًا، الا أن دواعي الشكوك بصحة هذه التصريحات ما تزال قائمة، ليس لدى المختصين بشؤون الطاقة وجوانبها المختلفة فقط، بل امتدت الى المواطنين متلقي الخدمة الكهربائية غير المستقرة.
في نيسان الماضي، وفي مقالة سابقة في (الزمان) كنت قد تناولت أرقامًا عن كمية إنتاج الكهرباء المتوقعة التي أعلنها المعنيون في قطاع الكهرباء، مؤخراً، إذ جرى تداولها في العديد من وسائل الإعلام وأشرت، حينها، إلى أن هذه الأرقام تعبر عن انتاج وطني خجول أمام متطلبات الأحمال الكهربائية، في الصيف المقبل، بالرغم مما تم إنفاقه من تخصيصات مالية كبيرة، فالإنتاج المتوقع (المعلن) لا يرتقي الى مستوى الايفاء بشروط توفير تيار كهربائي مستمر يلبي احتياجات المواطنين ومرافق الخدمات العامة، ولا نعلم ما إذا تمت الحسابات على وفق السعات التصميمية أو المنشأة أو المتاحة؟ وهل دخلت ضمن تلك الحسابات الطاقة المفقودة نتيجة التحديدات القائمة بفعل ارتفاع درجات الحرارة لمكائن التوليد وما تتعرض له من عواصف ترابية متوقعة على امتداد مساحات العراق؟ بالإضافة الى المحددات الأخرى كانخفاض مستوى مياه نهري دجلة والفرات وشحة المياه في بحيرة حمرين وغيرها.
في خضم هذه الحالة البائسة (الأمراض المزمنة لمنظومة الكهرباء الوطنية) ليس على مستوى التخطيط والانتاج فحسب، بل امتدت الى قطاعات النقل والتوزيع يجري إعلان مشروعات إقليمية لاستيراد الكهرباء أو الغاز لم ينفذ منها إلا الربط المناطقي مع إيران، منذ سنوات مضت، فهي تعد محاولة لتفريق دماء الكهرباء بين أطراف كثيرة على وفق نظرية ابو جهل عندما قدم اقتراحه الشيطاني بأن تكلف كل قبيلة من قبائل مكة احد رجالها ليشارك مع الاخرين في قتل الرسول الكريم محمد (ص) بضربة رجل واحد ليضيع دمه بين هذه القبائل عندها لن تحدث فتنة، فبدأ الترويج الاعلامي لمراحل تنفيذ الربط الكهربائي مع تركيا والسعودية والكويت والاردن، كذلك أعلنت محاولة العراق لتوريد كميات من الغاز من دولة قطر لسد النقص الحاصل في الوقود المطلوب لتشغيل محطات توليد الكهرباء داخل العراق كمصدر بديل للغاز الايراني في حالة تقليل حجم المورد منه، كما تم إعلان العديد من التعاقدات فيما يتعلق باستغلال مصادر الطاقة المتجددة، يقينًا وبالقياس على ما آلت اليه اعلانات المشاريع السابقة ووعود انجازها، منذ سنة الاحتلال ٢٠٠٣ ولحد الان فأن أغلب هذه المشاريع لن ترى النور في الصيف المقبل، فالاعتقاد أن تهيئة الشماعات لتعليق نتائج الفشل المتوقعة عليها سوف يقلل من الغضب الجماهيري تجاه الإخفاق المتكرر في توفير خدمة تجهيز الكهرباء المستقرة هو اعتقاد خاطئ بعيد عن الصواب بعد ان فقد المواطن ثقته بسلامة الحلول الدائمة للخروج من أزمة استمرت فيها معاناته ولسنوات طوال من دون نتائج ايجابية باتجاه الانفراج الحقيقي لها وبعد ان غابت القناعة بكل ما يبتكر من مسوغات لإبعاد المسؤولية عن الذين كانوا سبباً في تفاقمها عندما قدموا مصالحهم الشخصية الضيقة ومصالح احزابهم بعيداً عن البناء والتطوير المطلوب وباستغلال بشع للموارد المالية التي تم تخصيصها لترميم منظومة الكهرباء المتهالكة.
* مهندس استشاري، رئيس هيئة الكهرباء العراقية الأسبق.