أيها الإنسان كن مع الوطن ولا تكن مع الكراسي.
فالوطن هو الذي يبقى والكراسي راحلة , إلى ما تجنيه من الخطايا والمآثم والمظالم والمفاسد والخسران.
الوطن يبقى , لأنه قلب الأرض ومنطلق أنوارها , وينبوع إرادتها وصوتها المتنامي في أفاق الأكوان.
والكراسي من خشب , والخشب تلده الأرض وتأكله آفاتها وتحرقه نيرانها , فيتحول إلى رماد ودخان.
الوطن عاش على ترابه أجدادنا , وسعينا فوقه وسيسعى أولادنا وأحفادنا , وكلنا نزول , لكنه هو الذي يبقى أبدا.
ولو تأملنا كم من الكراسي تحطمت وزالت , منذ تأسيس الدولة فيه وحتى اليوم , لتيقنا بأن كل لاحق منها لا يحيد عن مسار سابقيه.
الكراسي مكسورة , وهي لا تقف على أربعة أرجل , وإنما على واحدة أو إثنتين في أحسن أحوالها ,
والأرجل الأخرى تكون مصطنعة , ومملوكة من قبل الآخرين , الذين يوهمون أصحابها بأنهم يجلسون على كراسي ذات أربعة أرجل.
أما الوطن فيرتكز على الأرض ويرتبط بها , ولايمكنها أن تستغني عنه أو تستشعر بوجودها بدونه ,
ولهذا فأنها لا تفرط بثراه ولا تسمح بأذاه.
والكراسي كما هو معروف أكثرها أدوات لتحقيق مصالح الطامعين بالبلاد , ولهذا فهي ضده , ومَن يكون معها على إنحرافها يصبح ضد بلاده وتأريخه وحضارته وحاضره ومستقبله , بل ويعادي نفسه ويقودها إلى سوء المآل.
وأنظروا أحوال الذين إختاروا أن يكونوا مع الكراسي فيما مضى من العقود , وإلى أين إنتهى بهم المصير وأي منقلب قد إنقليوا.
ومثلما حصل لهم سيحصل للذين لا يتّعظون ويعيدون ذات السلوك المهين.
ولهذا فأن من الحكمة والعقل أن يكون الإنسان مع وطنه وليس مع الكراسي , لأن في ذلك تحقيق لأرادة التواصل والعطاء الأصيل , والتعبير الأمثل عن طاقات الإنسان , وفضائل ما عنده من مكنونات الخير والجمال.
فعندما نكون مع الوطن , نغتني بالقيم والمعاني النبيلة الطيبة , التي تريد الخير والوحدة والألفة والتفاعل الوطني والمصلحة الوطنية , وتتنقى القلوب من المشاعر السيئة والعواطف السلبية , فيتعافى المجتمع من جراثيم البغضاء والأحقاد والكراهية والتحزبية والفئوية والمذهبية والطائفية , وغيرها من الأوبئة والأمراض السياسية السارية والمعدية.
وتنتعش الآمال وتورق الطموحات وتقترب الأهداف من النوال , وينطلق الناس أجمعين إلى ميادين العمل والبناء والجد والإجتهاد , والإخلاص والنزاهة والتباهي والتفاخر بصدق التفاني في العطاء.
ويزدهي الجمال والبهاء , وتتغنى الموجودات بمحاسنها وبلطائف ما فيها من الطيبات, فتنهزم الخبائث والمكائد ومؤهلات الخوف والشك وغياب الأمان , وتسعد الدنيا بما يجري في ميادينها المنيرة المشرقة الواضحة , بعيدا عن أقبية الفساد وأنفاق الظلم والظلام.
ولهذا فأن تفضيل الكراسي على الوطن , يرقى إلى مستوى الجريمة بحق الوطن , والتأريخ والحاضر والمستقبل , وهو سلوك إنتحاري فردي وجماعي وأكثر , ولا يحسب إلا من خيارات الخسران والتداعي في مهاوي الخراب والضياع والدمار.
فلنكن جميعا مع الوطن لنصير أقوى.
ولنا الخيار والقرار وتقرير المصير.
فالوطن يعني الإنتصار , والكرسي يعني الإندحار.
والكراسي على أشكالها تقعُ , والوطن خالدٌ يَجمعُ!!