20 مايو، 2024 5:27 ص
Search
Close this search box.

كن بوقا تكن مرزوقا!!

Facebook
Twitter
LinkedIn

في زمن الحرب ذات الثمانية أعوام , كانت هناك مسابقة للرواية , وقد شارك فيها أحد أصدقائي منذ بدايتها ولأربعة مرات متعاقبة , وما فاز بشيئ , فنفذ صبره وذهب إلى مدير الدائرة الثقافية المسؤولة عن المسابقة وطلب مقابلته.

فقال له: بودي – لكي أتعلم – أن أعرف لماذا لم تفز ولا رواية من رواياتي الأربعة , والرواية الأخيرة ذات مواصفات جيدة؟

فحملق الرجل بوجهه وصمتَ , ثم قال بعد تردد: قرأت رواياتك الأربعة , لكن هذا إعلام حرب , وأنت تكتب عن أشياء أخرى , أ تريد اللجنة أن توافق على رواية تصف بصدق ودقة مشاعر الإنسان وهو يواجه الموت وكيف يفكر؟

فقال صاحبي: أ ليس هذا هو الأدب والإبداع؟

فأجابه الأستاذ: أ تريد أن ترمينا في داهية؟!!
الذي يفوز هو الرواية التي تعزز حب الموت وروحيته وأنت تدمرها وتلغيها.

فحدّق صاحبي بوجهه مندهشا , وحسبه سيتصل بجهة ما فيكون في عداد المجهولين , فتلفت يمينا ويسارا ,
وقال : الآن فهمت!!

ومضى الأستاذ قائلا: إن أسلوبك ممتاز , لكن مواضيعك لا تتفق والنهج المطلوب , وأنصحك أن لا تكتب أبدا.

فقال صاحبي مرة أخرى: فهمت يا أستاذ!!

وبعد أن غادر المكان حسب نفسه ساذجا ومغفلا وراح يردد مع نفسه مذهولا:

” بوق…بوق…مرزوق…بوق” , حتى إنتبه بعد برهة لسماعه مَن يقول ” مسكين مجنون”.

تذكرت صديقي الذي أكلته ماكنة الحرب وغاب في رمال النسيان , وأنا أبحث عن تعريف للمثقف في زمننا الجديد.

وتساءلت : هل أن المثقف أصبح بوقا؟!

فما أكثر الأبواق العالية المصدّحة في كل مكان وزمان!!

والمجتمعات التي يكثر فيها المبوِّقون لا تنفع , وهي مأساوية وذات تداعيات مروّعة.

بعض المثقفين يبوّقون للكراسي والفئات والأحزاب , وغيرها من المسميات التدميرية للمصلحة العامة , وبهذا يغفلون عامة الناس ولا ينادون بما يقاسونه ويواجهونه من المشقة والعناء.

فالمثقف الذي يغفل الحاجات الجماهيرية والمصلحة العامة , ويعبّر عن إرادة القوة الفاعلة على جميع المستويات , لا يمكنه أن يكون إلا بوقا ومرزوقا لأنه باع قيمَه وشرفه وأخلاقه لهذا وذاك.

وكلما تكاثر المبوقون تضعف الثقافة وتنعدم , وتكون كلاما يخدم مصالح الأفراد والأحزاب والفئات والكراسي وغيرها.

ولا يمكن للمجتمعات أن تبني تجربة ذات قيمة حضارية نافعة , إذا عاث فيها المبوقون الذين يخدمون مصالح آنية ومحددة ذات ضرر وطني شديد.

ومن الواضح أن مواقع وأقلام ومحطات التبويق إنتشرت , وأسهمت بتنمية الحيرة وأسباب السوء والخراب.

ومن المخجل أن يتحول بعض المثقفين إلى أبواقٍ مرزوقة , بدرجات تتناسب مع شدة التبويق اللازمة والمطلوبة.

ولا بد من إدانتهم ومساندة الساعين إلى تقديم الحقيقة , والدفاع عن المصالح الجماهيرية العامة , والناطقين بلسان المحرومين من الحاجات الأساسية اللازمة للحياة الإنسانية الكريمة.

ترى هل تغير الزمان أم تبدل العنوان , والسلطان هو السلطان؟!

د-صادق السامرائي

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب