جعفر الشمري
تختلف ارضية معسكرات الاسر من معسكر لاخر فمنها من غطي بالاسمنت ومنها مابلط بالاسفلت ومنها من كسيت بالرمل المخلوط بالحصى الناعم او الخشن ذو النتؤات المدببة فلم يكلف الايرانيون انفسهم مشقة كبسه. وتتفاوت مدة تجهيز المعسكرات بتعيينها من النعل من معسكر لاخر فكانت هناك اسرى تحصل على نعال واحد في الشهر حتى قال احد الأسرى كاد الوادي المتاخم لمعسكرنا يمتلئ بالنعل الجديدة وفي معسكرات اخرى كان من الشحة بمكان ان لايخجل الاسير ان يقبل نعاله الجديد الذي حصل عليه للتو امام رفاقه ابتهاجا واحتفالا بالمناسبة.
النعل المعدة لنا في الاغلب من مادة معادة التصنيع وفي العادة يقدم نموذج للنعال الجديد امام لجنة ايرانيه للاسرى تسمى قومسيون من النوعية الجيدة مع تقرير بالتكاليف والسعر وبعد ان توافق اللجنة على المقترح تتبدل الصفقة الى نوع ردئ رخيص يذهب فيه فارق السعر لجيوب الفاسدين والمتاجرين بعذابات الأسرى.
كان من سوء حظي وحظ رحظ رفاقي اننا مكثنا لثماني سنوات في معسكربتلك الارضية المدببة وكانت تلك اطول فترة يمكن لاسير ان يمضيها في معسكر واحد دون ان ينتقل الى معسكر اخر.
كان الحصى المدبب الذي يكسو ارضية المعسكر يعجل بتهرأ نعل الاسرى وبمدة وجيزة لاتتجاوز الشهرين او الثلاث فالنعال كان مصنوع من اردأ انواع البلاستيك وقد دفع ذلك الأسرى لايجاد حلول فالارضية لاتحتمل المشي عليها عاري القدمين. كان الحل الامثل هو شراء كعب اضافي ولصقه تحت تحت كعب النعال وهذا الكعب الاضافي ينتزع من نعال قديم وطريقة دمج الكعبين اما اللصق او الخياطة بخيوط النايلون المنتزع من اكياس الرز المهربة من المطبخ والتي تباع بأسعار باهضة. كان هناك من يبالغ في الحفاظ على نعليه فليصق على كل فردة منهما كعبين ومنهم من وصل به الهوس الى لصق ثلاث كعاب او طركات واطلق الاسرى على هذا النعال اسم نعال عيار ثلاث طركات وهذا النعال ابو ثلاث كان يثير ضغينة الاسرى فصاحبه من الميسورين بحكم المؤكد. طريقة لصق الكعب عن طريق تسخينه بالبريمز النفطي وهو من النوع الذي يستخدم في مطاعم طهي الاكلة العراقيه الشهيرة الباجه وكان البريمز يتنقل من قاعة لاخرى وحين يأتي دورنا يكون قد مر على اربعة عشر قاعة. ماان يصل البريمز حتى يتحلق حوله الأسرى وهم ملثمون خوفا من الدخان المتصاعد ذو الروائح السامة بسبب كوي النعل.
يقوم بمهمة لصق النعال اسير اكتسب خبرة بهذا المجال ، كان يتقاضى اجرا غالبا مايكون سجائر. يضع صاحبنا صفيحة معدنية بعرض 10 سم وطول 80 سم على عين البريمز وحين تحمر الصفيحة توضع على مكان الكعب في النعال ويسخن الكعب الاضافي فليصق على الكعب القديم الذي اصبح الان جاهزا للصق وسط ضجيج ونداءات وتعليقات الاسرى.
ذات يوم طلب مسؤول الأسرى عبر مكبرات الصوت من تهرأ نعاله واصبح من سابع المستحيلات لبسه تسجيل اسمه في قائمة اعدت لمن على شاكلته ولكن بعد وقت تبين ان عدد ماورد من النعل لايصل الى 20% ممن سجلوا في القائمة وبناء عليه تقرر توزيع النعل بالقرعة وحصل احد الاسرى على نعال جديد وكانت سعادته لاتوصف. عند التعداد اليومي جلس القرفصاء ونكس رأسه نحو الارض، لاتفارق عيونه نعاله ثم وفجأة رفع رقبته وارخى ظهره للخلف ، كلمات التهنئة مازالت تتردد على رأسه الاصلع
الصغير وكان يهرب من بعينيه من عيون الحاسدين، خلع نعاله وقربه من فمه وطبع عليه قبلة طويلة، اثار تصرفه هذا حفيظة البعض وتعليقات ساخرة من بعض اخر وكلمات استحسان او امتعاض ايضا. وكان منهم من هرب برأسه يرسم على الارض باصبعه خطوط مبهمه لاتعبر عن شئ.
هامش:
سنوات الاسر من 1986-1998
البريمز بالعراقي هو الموقد او الكانون