.. وعذرا اولاً من استخدام هذه اللفظة الشعبية التهكمية المعبّرة .. التي لم اجد غيرها مناسباً تعبيراً عن القصص والفبركات والتصريحات التي يزدان بها المشهد العراقي كل يوم .. والتي تُبقي هذا الشعب في وضع محلك سر .. تتقاذفه الايام ؛ ولا تقدمه حتى ولو لربع خطوة الى الامام على صعيد كل شيئ .
فمن اقالة العبيدي الى اختطاف افراح شوقي وقبلها موضوع جريدة الشرق الاوسط واخيراً موضوع خور عبد الله .. فان هناك ايدٍ بعضها واضح للعيان واخر خفية تخطط بعناية فائقة وباساليب مبتكرة وتقرا نفسية الشعب العراقي ومزاجه السياسي والاجتماعي لتلقي اليه واحدة من هذه الفيكات ليتلهّى بها اسبوعاً او شهراً حتى تنضج طبخة الفيكة الاخرى وتصبح جاهزة قبل رميها على السطح وهكذا .. ليبقى الانسان العراقي مهرولاً مهموماً متعباً محاولاً التقاط انفاسه ولكن دون جدوى .
ان قضية خور عبد الله اختيرت بحرفية عالية واول ما دحرجتها احدى النائبات المنتشية باقالة وزير الدفاع و( انتصارها ) عليه وعلى من ركن له .. حتى كبرت كرة الثلج وتجاوزت حدودها المسموح بها لتتصدر الواجهة وتثير ازمة لم تقلل من اهميتها الفيكة الاخرى التي دحرجها الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب بمنع رعايا سبع دول من بينهم العراق من دخول الولايات المتحدة مؤقتاً .. وقضية خور عبد الله تثير اوتوماتيكيا شجون الشعب العراقي .. وتنكأ جروح تسعينات القرن الماضي التي لم تندمل بعد ؛ ولكن ظروف ذلك الزمان غير ظروف اليوم ؛ وليس دفاعاً عن احد فهي باختصار شديد ليست قضية جديدة وليس فيها اي اثارة كما ظهر للعيان ؛ ذلك ان قرارات مجلس الامن المتعاقبة والمجحفة انذاك قد اعطت للكويتيين اضعافا مضاعفة مما لم يكونوا يحلمون بواحد من المائة منها .. وان قرار مجلس الوزراء العراقي الجديد هو من اجل تثبيت علامات ودعائم مضى عليها اكثر من خمسة وعشرين عاماً وتخصيص مبلغ مالي لتلك العملية الفنية الصرف وهي قطعاً ليست قراراً ولا اجراءً جديداً .. والغباء السياسي والجهل المطبق والافتقار والافتقاد الى اللغة الدبلوماسية والمهنية في التعامل مع الازمات الكبرى من قبل مجلس الوزراء ( وهو طبعاً نتاج الطبقة السياسية الحاكمة اليوم ) هو من اشعل الفتيل مجدداً واثار هذا الزوبعة التي اجزم ان الايدي الخفية تطبخ على نار هادئة فيكة جديدة تطرد قضية خور عبد الله وتحل محلها ؛ كما في المثل الاقتصادي الشهير.. وليس لدى الحكومة ورئيس وزرائها ونواطقها دائماً سوى الادعاء الجاهز بان اثارة هذه القضية هي محاولة للتاثير على انتصارات القوات الامنية في معركة استعادة الموصل العزيزة من ايدي الارهابيين الدواعش المجرمين .. وفي هذا جزء من الحقيقة وليست الحقيقة كلها .. ولانني واثق كل الثقة بان هذا الجزء العزيز من العراق وقريباً جدا ًسيعود الى احضان الوطن بارادة العراقيين ودمائهم وحدهم وليس احد غيرهم .. فلا ادري باية ذريعة بعدها ستتذرع الحكومة والسياسيين ؟
ويبدو لي ومن خلال استقراء بسيط ان الاوساط السياسية الحالية مرتاحة للغاية لهذه الفيكات ؛ التي هي فعلا ليست الا فقاعات لا تغير في الواقع السيئ شيئاً .. بل ان الاخطر منها هو خوفي من ان تكون هذه الفيكات الكبرى غطاءً لتمرير خفايا اعظم وادهى وامر من قبيل قضايا النزاهة التي تسير كالسلحفاة .. والانتخابات المحسومة مسبقا .. ونهب المال العام والتغطية على الوضع الاقتصادي المتردي وعجز المؤسستين التشريعية والتنفيذية من تحقيق ولو جزء يسير من متطلبات شعب يعاني منذ نصف قرن من تهور او فساد الطبقات التي تولت حكمه وقيادته من سيئ الى اسوء..وكما قال احد السياسيينالجهبذة في مجلسه الخاص قبل ايام : دع الشعب يتعار حول ميسي ورونالدو .. وايهما ابرع وافضل بدلاً من ان يهتم بالنزاهة والحصة التموينية المسروقة والانتخابات القادمة وتظاهرات الجمعة…. وشحة البيتنجان من السوق المحلية !