23 ديسمبر، 2024 3:02 م

كل عام وأنا بخير …عيد مولدي الخامس والعشرين

كل عام وأنا بخير …عيد مولدي الخامس والعشرين

ركضت بيه السنين هاربة ..  مشت بيه الأيام متسارعة …ضحكت عليٌ الدقائق … هزأت بيه الثواني … بكى عليٌ الزمن….حينما أفكر في ما مضى من عمري  عند كل رمشة عين , وعند كل غمضة جفن, تشتعل في كل مرة منها شعرة من شعر رأسي  , تعييرا عن غضبها وفورانها , لما ينتابني من صحوة ضميرية ملؤها الأسف على سنين عمري العابرة…

 كالذي يحدث معي الآن . وأنا أدون ما يضمره وجداني , وما يمليه عليٌ ضميري , في ليلة ميلادي هذه , حيث بدأت الأسئلة تطرح نفسها , لماذا تدعي قلمك يغيب عنك أيام وليالي ولا تستمري بالكتابة وتبذليه جهدا  لتكلفيه في تنظيم كتابا واحد على الأقل عن العزة والمجد في ظروف السلم والحرب , أو ديوان واحدا من بحور شعري , ومن ثم ألا يفترض مني  بعد هذه السنين أن أقرأ ألف كتابا على الأقل , وإن كانت حياتي كلها صراعات وحرب ,  ولما ذا أقف ساكنة  إزاء ما يحصل في بلادي , فتمثال أبو تمام قد سرق من أمام أعين الحدباء  ونحن ندري … رجال ونساء وأطفال قد نزحوا من الشمال الغربي … ورجال غيارا  قد هبوا من الجنوب والفرات الأوسطي .. ليستأصلوا السرطان المميت المستشري في الخلايا الرمادية والبيجية من نسيج الوطن  .. وكأنهم عشاق للعزة والكرامة حتى اختاروا الظفر بأحضان تراب الوطن , تاركين نسائهم
وأطفالهم يلوذون بلوعة الفراق ومخلفات اليتم … وكأنهم يرشدونا بذلك على أن نتحمل مسؤولية بعضنا بكل حب وعطف وكرم ..

  لم أتذكر ولا مرة واحدة طوال فترتي حياتي , بأنني قد زرعت زرعا ما  أوبأنني قد أقبلت على تبني قضية  رأي عام ما .. وتمكنت من عرضها على أصحاب الشأن وتم التعامل معها ومعالجتها برقي إنساني .. أنا ولا مرة قد شاركت بمسابقة ثقافية ما , أو حضرت مناظرة سياسية ما , أو شاركت في عمل شعبي لبناء أو تنظيف مكان ما , أو بأنني قد أعتدت رحلة سياحية ثقافية ما …

السبب في ذلك كله هو الخلل الذر يع في عمل المنظومة التربوية والتعليمية .. والتي تقوم على أساس الاعتكاف التام عن الحياة , والجهل الكبير في كيفية التعامل مع الطبيعة , ونقص حاد في فهم فلسفة الحياة   وماهية المعنى الوجودي للإنسان.. فتلك المنظومات عاجزة عن كيفية غرس القيم الوجودية في نفوس أبنائها ..فهم غير قادرون على تنظيم حملة شعبية ومن منطق الجماعة , ليحثوهم مثلا على غرس ورودا أو ننثر بذورا ليشجروا مدنهم , وليتعلموا من ذلك  كيفية بث روح الحياة وزرع الأمل في النفوس .. أو تقوم تلك المؤسسات التعليمية بتنظيم رحلات ثقافية هادفة لطلبتها .. على سبيل المثال : يأتون بطلاب من كردستان لزيارة قبر المتنبي وطلاب من الجنوب إلى المنارة المظفرية  أو قلعة أربيل  مثلا . ليكسروا بذلك الحواجز الثقافية والفوارق الأدبية بين الجانبين ,ففهم التاريخ مدخل كبير ومهم جدا في تكوين المواطنة الصالحة المخلصة لوطنها لأن التراث سيحسهم بقيمة أمجاد أجدادهم ويوحد روابطهم بالوطن .. أو ليقيموا رحلات جبلية  لأبناء الجامعات إلى جبل شيخا دار أو جبل هلكورد وينظموا لهم سباقات هناك . من يستطع التسلق أكثر سيفوز بلقب (نسر ) مثلا . ليغرسوا فيهم روح التحدي لمواجهة الصعاب وكيفية شد العزم لنيل العلا وتحقيق الطموح بالبدء من الأسفل إلى الأعلى .. كما يجب أن  تشرف  المؤسسات التربوية والتعليمية على إقامة وتنظيم مسابقات ثقافية في العطل الصيفية إلى الشباب والبنات ويقسموهم إلى مجموعات حسب أهواءهم وميولهم العلمية والأدبية . ويحثوهم على مطالعة كذا كمية ونوع من الكتب وبعدها تجرى لهم أسئلة واختبارات .. تشجيع منهم على صداقة الكتب وليزيدوا من رصيد المعرفة والعلم لديهم…

إذن بناء الروح الإنسانية بغرس القيم الأخلاقية والروحية فيها ستساعد كثيرا على النمو والتطوير الذاتي مما يخلق بيئات صالحة لإبداع والتطور لبناء حضارة المجد والسلام 

  و كل عام وأنا بخير ..