الأعمار والأرزاق والأعمال….؟
هل هي محددة بفلسفة دين الفقهاء………..؟
لا زال الاعتقاد سائدا بين المسلمين بأن الأعمار والأرزاق والأعمال محددة علينا سلفا من الله دون تغيير،كما قالوها لنا فقهاء الدين ،لذا فليس لنا من أرادة فيها في التغيير، وهنا ألغينا العلاج والصحة وتربية النفس على الصحيح ، وأستسلمنا للقدر المكتوب دون تحقيق. بهذه العقليات والتصورات الأعتقادية البالية العتيقة الميتة علينا ان نعيش دون رأي من مصير.علما ان لا احد يعطينا رأيا في القضاء والقدر سوى التخمين.
علينا ان نفهم ان ليس كلمة (كتب عليكم) جاءت محددة بوقت معلوم ،لأنها حين ورودها تأتي بمعنى مجموعة الشروط الموضوعية التي اذا أجتمعت بعضها مع بعض تخرج منها ظاهرة موضوعية معينة.وهكذا ترد كتب الموت والاعمار والاعمال في القرآن محددة بشروط موضوعية وليست بشروط أفتراضية ملزمة التحقيق.فالنصر او الهزيمة ،الموت او الحياة،الغنى او الفقر لا يمكن ان يكون مكتوبا سلفا بل يأتي بشروط موضوعية في خدمة الانسان وليست مقدرة في التنفيذ.
يقول الحق 🙁 ما كان لنفسٍ ان تموت الا بأذن الله كتاباً مؤجلا …آل عمران145). لكن في الصلاة تأتي : (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا،النساء103). عليك ان تلاحظ الفرق بين الآيتين في المعنى والتحديد؟
ففي الاولى جاءت بقانون القدرالرباني، اما في الثانية فقد جاءت برسالة ، والرسالة قضاء أنساني وليست بقدر لأنها اختيارية ، لكنها جبرية التنفيذ. لذا فالموت لن يحصل الا اذا تجمعت شروطه الموضوعية ،وهذه الشروط يمكن ان تؤجل الى وقت اخر اذا راعى الانسان شروط الصحة والاعتناء بالنفس. والطب المتقدم اليوم يلعب الدورالفعال بصحة الانسان ،ولهذا خفت الوفيات الأن في الدول المتقدمة لمراعاتهم مراقبة صحة مواطنيهم دون أنقطاع ووضعت القوانين والخدمات الطبية لهم دون تمييز، حتى ان الدول المتقدمة تعتبر وزارات التربية والتعليم والصحة والبيئة هي الوزارات السيادية في الوطن، بعكس ما نعتقد نحن اليوم ان وزارات الدفاع والداخلية والامن هي الوزارات السيادية لأرتباط عقولنا بقانون القوة والسيطرة على المواطنين. من هنا ارتفع متوسط الاعمار عندهم ،لذا قال الحق عن الموت 🙁 كتابا مؤجلا) ،بينما قال عن الصلاة 🙁 كتاباً موقوتاً).
لقد آن الآوان لعلماء المسلمين ان يفهوا ان الأعمار غير ثابتة، وعلى الحكومات والاطباء والمراكز الصحية والتربوية ان تتحمل مسؤلياتها تجاه حياة الناس وتعليمهم ونشر المعرفة والعناية التامة بمواطنيها،فالهدف ليس جمع الاسلحة وشراء ادوات الدمار والمشروعات غير النافعة وأستعراضات الجيش على البسط الحمراء، والمسيرات المليونية الباكية اللاطمة على الأثار، بل تخصيص الميزانيات للتربية والصحة كما في اليابان اليوم التي تعيش بلا جيش قوي لكنها من ارقى الدول في الصحة والبيئة والتعليم، بعد ان حكمتها الخبرة والكفاءة والاخلاص للوطن والمواطنين.
من هنا ندرك لماذا كانت عقوبة القاتل هي القتل، لمساهمته بأنقاص عمر القتيل. يقول الحق 🙁 …من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا). ورغم ان الشهادة كانت واجبة على المسلمين في بداية الدعوة الاسلامية لكن الرسول (ص) لم يأمر احدا من اتباعه بأن يذهب في مهمة أنتحارية لقتل نفسه والأخرين،وهذا أمر محرم في الأنتحار لقوله
2
تعالى 🙁 ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما،النساء29). فأين لنا اليوم من المتزمتين الاسلاميين (القاعديين والوهابيين المتخلفين ) المسخرين لقتل النفس الأنسانية بدون ذنب جنته املا في جنة المتقين كما يعتقدون خطئاً. ألم يكن هذا خروجا على الدين …؟
ويقول الحق 🙁 قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا،التوبة 51). هنا تظهر الشروط الموضوعية بأحلى صورها فلا حدث الا بها مجتمعة، كالموت بمرض يستحيل علاجه، والهزيمة بعامل التقصير (الخيانة) اوعدم الأيمان بالذي تقاتل من أجله ،لذا هزم جيش العراق في المعركة في احتلال الكويت، عام 90 ،وهزيمة الموصل وصلاح الدين والانبار اليوم(2014) ، لا لكونه كان ضعيفا، لكن لكون ان القائد كان مهزوما في قلبه خائناً في واردتة، ففضل نفسه على الوطن،فلو لم ينهزم القائد لما أنهزم الجيش والوطن كما حصل في مؤتة رغم الهزيمة العسكرية لكن القيادية ممثلة بجعفر بن ابي طالب وعبدالله بن رواحه ثبتوا واستشهوا في العركة ولم ينهزموا , بينما كانت هزيمة الموصل وتكريت والأنبار مثالألفقدان الارادة والخيانة المحرمة في الاسلام وعقابها القتل،هنا تأتي مرتبة الخيانة والجبن في النفس والعقيدة وليس في الهزيمة نفسها،فهل هذه الهزيمة مكتوبة عليه سلفاً.
ان المؤمن قد ينتصر وقد ينهزم ،لكن الهزيمة لن تحتل قلبه ونفسه لأيمانه بالعقيدة والوطن،فقد أنتصر محمد (ص) في بدر وانهزم في اُحد ،لكنه عاود الأنتصار مرة اخرى حتى تحقق النصر الأخير في فتح مكة ، وبهذا يقول الحق 🙁 لكيلا تأسواعلى ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختالٍ فخور الحديد 23). انها فلسفة القرآن اليقين،فأين لنا منها اليوم ،ومن تفسيرات فقهاء الدين الطوباوية التي لا تعتمد على المعايير؟ ان الذين يفلسفون التغيير المدمراليوم بالتحريروبيع الوطن للأجنبي بالأنتصار، والاجل بالوقت المعلوم، والهزيمة والنصر، بالتكهن الموقوت عليهم ان يثبتوا الحجة والحجة لا تأتي الا بدليل ؟. سنبقى في عقولنا المتخلفة تضحك علينا ثعالب السياسيين ورجال الدين الذين ماصدقوا يوما في اصول الدين .
الأرزاق :
اما الارزاق : يقول الحق 🙁 وفي السماء رزقكم وما توعدون،الذاريات 22). ويقول:( أهم يقسمون رحمت ربك َ *نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون،الزخرف32).
ان الجهل بالتفسير عند فقهاء المسلمين جعلهم يعتقدون ان الارزاق مقسمة على الناس و محددة سلفاً ،فاذا فهمنا ذلك علينا ان لانقرأ ولا نكتب ولا نعمل ونحن بأنتظار رحمة رب العالمين تنزل علينا من السماء دون تفريق؟ ألهذه الدرجة كانوا اغبياء الفقهاء جهلة بالدين؟ اذا فهمنا المعنى للآية بالجمع فهي صحيح لأن الله هو الرازق الكريم وان الخيرات لا تأتي الا من خيرات الطبيعة وكل وعود الله تأتي من السماء ، لكن اذا فهمناها بالمفرد فالآية تعطينا قواعد التنظيم الاجتماعي المتحضر بأن الناس تمارس الأعمال المختلفة في الزراعة والتجارة والوظيفة ولكل منهم رزق معين غير متساوي مع الاخر،ما عدا كسب المال الحرام ، فهي ارزاق مجالات الحياة ولا غيرها( قسمنا بينهم معيشتهم.هنا جاء مفهوم التسخير(ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) فالذي يزرع مُسخر ، والمعلم مُسخر، والتاجر مُسخر ، وكل واحد منهم ينتج ويكون مُسخرا للاخر .هنا ترى المجتمعات المتحضرة كلها تعيش وفق هذه النظرية،فالأية الكريمة ليس لها علاقة بالتحديد المسبق للرزق فهو الطبيعة وخيراتها والانسان، لان عمل الانسان مُقسم الى مهن بين الناس وهي تعتبر قانونا بالضرورة يحكم بينهم، ألم يكن هذا صحيح؟
ان الله جعل الارزاق محكومة بالتقوى والاعتدال والاستقامة ، وليس بالغش والسرقة والمال الحرام والاعتداء على اموال الناس بالباطل، كما تفعل قيادة العراق بوطنها اليوم ، ومن يتبعها يسهل له رزقه، لكن هذا التسهيل لا يكون الا من خلال الشروط الموضوعية التي يعيشها الانسان ومدى تطبيقة لها.فليس ممكنا ان يساوي الله الجميع الا اذا كانون كلهم تقاة ملتزمين بوصايا السماء ومن هنا جاء النص(ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا).ولقد ثبت بالدليل ان ما من مالٍ حرام دامَ لصاحبه ،وما من غشٍ انتفع منه،وما من قاتل الا وظهر ،وما من مزور الا وكُشف أمره ،وكلهم تكرههم حتى ثيابهم والناس أجمعين ،وماذا
3
يبقى للأنسان اذا أستذلت كرامته وأهينت عزته ،المال،فلو نفع المال الحرام لنفع الفراعنة والقادة من السابقين وكل دكتاتوريات التاريخ . أنها الحكمة ،وهي حكمة رب العالمين .
لن تقوم لنا وللمسلمين من قائمة الا اذا انتزعنا التفسير من ايدي المفسرين التقليديين وحولناه الى التاويل للعلماء المتخصصين مجتمعين كما في آلاية (7) من سورة آل عمران.لان القرآن فرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام،أي أعطى قوانين الوجود ،ولكن أين من ضرب كل شيء عرض الحائط من اجل الوجود؟ فهل سنبقى نحرث في البحر ولا ثمر أم ان هذه النظريات العلمية الرائعة التي ما أستطاع فهمها رجال الدين اللاهين بالبطن والمال والجنس من اصحاب نظرية الترادف اللغوي الخاطئة ؟فأوقعونا في خطا التقدير.
،كارثة ألمت بالمسلمين،أفرزت عندهم كل هذا التخلف الحضاري عبر السنين بسبب الفقهاء ومؤسسات رجال الدين الجهلة المنغلقة عقولهم على الله والدين لينتجوا لنا المذهبية الباطلة والطائفية البغيضة .على الكتاب والمثقفين ان يعرضوا عن الكتابة في الخزعبلات ليخوضوا في مصير الامة التي حطمتها خونة السياسة ومؤسسات الدين، وجعلتنا نعيش في مقاساتها الضيقة دون تفكير ؟ .فمتى نرفضهم وفتاواهم بعد ان رفضهم القرآن ولم يعترف بهم ولم يخولهم حق الفتوى على الناس ولم يذكرهم بتقديس ،ولم يميزهم بلباس معين. أنهم بحق كارثة الاسلام والمسلمين …؟ كل هذه المذهبية الباطلة والفُرقة الكبيرة بين المسلمين ، لا أصل لها في القرآن والدين ، بل أجتهادات فردية للفقهاء خدموا بها سلطة الدولة ولا غير، انتهى زمانهم واصبحوا تاريخ.
الأعمال:
اما الأعمال فهي ممارسة تنفيذ الواجب المناط بالأنسان ،وهي حركة واعية يقوم بها الانسان على وجه العموم . والعمل بمنوط بالقرآن بصفتين هما: الأولى – أثبات المعرفة،كما في قول الحق : ( ان الله يعلمُ ما تفعلون).
الثانية – هي نفي الجهل عن الانسان كما في قول الحق : ( وما ربك بغافل عما تعملون،النمل 93).
ان الله ركز على الخبرة والمعرفة معاً ،فقال الحق : – ( أنه خبيربما تفعلون ،النمل 88) . وحتى الجزاء للاعمال الصالحة لم تحدد بمصطلح معين ولا بدلالة مصطلحية معينة،لان الاعمال الصالحات متغيرة مع الزمن.
من هنا فقد بين الحق تعالى ان العمل عام، والفعل خاص ومعرف.لذا جاء التعريف بالعلم مقدم على الفعل،،والفعل مقدم على العلم،كما في قوله تعالى: ان الله يعلم ما تفعلون،النحل 91 ، وما تفعلون من خيرٍفأن الله كان به عليما ، والنساء 127).
ثم يتفرع منه الكسب باليد او بالفكر، وهو المردود الايجابي للعمل لذا قال الحق : ( لها ما كسبت وعليها ما أكتسبت،البقرة 286). لذا تحدد العمل بالصالحات كما في قول الحق :(من كان يريد العزة فللهِ العزة جميعاً* اليه يصعد الكَلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، فاطر 10 ) . لذا فالأعمال فيها حرية الاختيار وليس فيها الجبر بقصد الغش والتزوير على المجتمع والناس ويدعون اصحابها الصحيح كما نراها اليوم في عراق المظلومين.
من هذه الفلسفة القرآنية في الحق المطلق ، جاءت الآية الكريمة 🙁 من يعمل مثقال ذرة خيراً يرَ * ومن يعمل مثقال ذرة شرً يرَ ).
فلسفة قرآنية محكمة التطبيق.
أنظر الكتاب والقرآن — المؤلف الاستاذ الدكتور محمد شحرور – كتب الموضوع بتصرف.