توزع حديث الرسول “الاختلاف في امتي رحمة” بين الارض والافكار، التي إنسجمت مع تعدد التفاسير وتباين القراءات، لآيات القرآن وأحاديث النبي وحكم الخلفاء الراشدين والائمة المعصومين وتنظيرات المجتهدين والإجتماعيين.
لغويا.. الاختلاف يشمل المكان والرأي، الامر الذي ساعد المفسرين على فهم الحديث النبوي الشريف “الاختلاف في امتي رحمة” على أنه يعني السعي في مناكب الارض، توزعا بين أقطارها، للرزق والتزود بالعلم وسبر اغوار المعرفة تطلعا في مكنونات اسرار المجتمع، التي يمكن إتخاذها مفاتيح في الحوار.
وهذا ما لخصه الامام علي.. عليه السلام، في حكمتين متكاملتين: “حدثوا الناس على قدر عقولهم” و”لا رأي لمن لا يطاع”.
وكلا حديثي الامام.. عليه السلام، يكتملان بمعرفة تفكير البشر، ولا معرفة من دون توقير يحفزهم على مزيد من التدفق في الحوار، وعدم اللجوء الى القطيعة، بل غرس الكلام بذرة تزهر تفاهما ايجابيا، ينبع منه الاحترام الذي يعطي للمرء لذة التحدث والاصغاء.. اخذا وعطاءً تبادليا.
ما يعني ان حتى في حالة السعي لتغيير موقف إنسان من قضية، يجب إحترام قناعته بنقيضها، ريثما تنجح وسائل تهشيمها وحل ألغاز قدسيتها في نفسه، وتفنيدها، إنتهاءً بدفعه الى التنصل منها وتبني ما نريد ضخه إليه.
فثمة ثوابت في علم الاجتماع، تحكم خطوات الاستمالة، تبدأ بكسب ثقة المستمع ثم قطع صلته بقناعته الاولية، بعدها إملاء القناعات المستحدثة المراد تأسيسها في فكره لصالح ستراتيجية ما.. جديدة.
· هل قلت شيئا؟
اعتنقت الفئات البشرية أديانا وعقائد.. سماوية ووضعية، شكلت روابط أقوى من الانماط العلائقية المعروفة إجتماعيا.. على الاطلاق.
وفي إجتماعيات الاسلام، يؤمن أن أصل البشر ينتهي الى آدم وحواء؛ لذلك: ” اكركم عند الله أتقاكم” أما شكل الاداء، في إصال التقوى بمعناها الاجتماعي وليس الديني، تتباين المناهج فيه، وهو تباين يجب الا يتحول الى بغضاء وغيظ وتمرد وإحتقان إحترابي يسفر عن حرب أهلية، او دولية او… دمار.
والاسلام ينظر للبشر جميعا من مسافة واحدة، أمام شرع الرب؛ ما يساعدنا.. كبشر متحضرين.. على الإيمان بالحوار الهادئ، الذي يهيء الاسلام الى الإستمرار على مر الزمان، وسعة الارض،…
وتلك هي التي أسماها الرسول إختلافا، وإسميها أنا تباينا إيجابيا، يغني الحديث ويثري الرؤية ويعمق الفهم ويرسخ الثوابت، تحريكا لما كان يمكن ان يتصدأ بالتحرز دون الآخر.. تحفظا قد يتحول الى إصطدام.
تعددت تفاسير الفهم الاسلامي للآخر، وتباينت القراءات للنصوص من آيات وأحاديث وحكم، لكن الغاية واحدة تصب في نتيجة مفادها ان من حق كل حزب ان يفرح بما هو عليه، من دون مداهمة قناعات الآخر او مصادرة وعيه بأشيائه وتقديسه لرموزه، حتى لو لم تلامس قناعاتنا.. يجب ان نحترم له رؤياه مجادلين أوجه التباين بالتي هي أحسن.
فالرب يشرعن للمجتمعات التحزب الفرح: “كل حزب بما لديهم فرحون” فباي حق نتعاقد مع الشيطان ضد قناعة الاخر مفندين نظريته ومضيقين مساحة ميدان تحركه!؟ طالما لم يعتدِ علينا، او يبسط فكره على آفاقنا.
· هل هذا كافٍ
إن لم نسهم بدعم معتقدات الناس، مشاركة او تهنئة وتعزية.. كل في مكانه وزمانه.. نفرح ونحزن معهم؛ فيجب ان نقف حياديين على الاقل، من تعاليم الديانات الاخرى، مترفعين عن التضاد معها او الإساءة إليها؛ وهذا شأن واجب.. شرعا وحضارة وثقافة ووعيا.. فليس هواي مقياسا ولا قناعتك “إستندر” الحياة؛ لان كل إنسان له ما يناسبه وينسجم مع تكوينه الاجتماعي ونشأته البيئية، وعلينا تبادل الإحترام؛ كي نعيش بسلام مع أنفسنا ومع الآخرين؛ فإذا دعت القدرة على التصرف بصلف؛ علينا ان نتذكر “فوق كل ذي علم عليم” والقوى متفاوتة والنتائج غير مطلقة.. بل نسبية!
إحترم الآخر لتعيش معه بسلام ذاتي؛ فهو لديه وسائله لإتقائك ووقاية نفسه منك إذا بغيت عليه.
التفاؤل بردة فعل الآخر كفيلة بالرفاه.. جد أسباباً تلزم نظيرك بـ… الانسانية، و… عيش متآزرا بالناس عونا.