العالم صغير، ونحن جميعا نتقاسم العيش في مكان واحد، الأرض أمنا ووطننا جميعا، وينبغي علينا أن نعيش عليها في وئام وسلام، ومن أجل أن يتحقق ذلك يجب ألاّ نمنح الفرصة لأي كان كي ينشر أفكاره وخطاباته الحاقدة.
كشر الكثير من الشامتين في مجتمعاتنا العربية عن أنيابهم فرحا وابتهاجا، بالهجوم الوحشي الذي جدّ الأسبوع الماضي أمام البرلمان البريطاني، وغطت التعاليق العنصرية الحاقدة مساحات شاسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولت مساحاتها الافتراضية إلى مرتع لبث الكراهية وإثارة الضغائن، وعوض أن يكون هؤلاء رافعين لراية السلام أصبحوا مساندين للإرهاب.
الإرهاب لا جنسية له ولا دين، ويمكن أن يستهدف المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي.. وجميع الديانات على حد سواء، وفي أي مكان من العالم، لأن الإرهابيين المتربصين يظهرون فجأة، وحين يقررون إزهاق الأرواح فإنهم يصفّون الجميع دون رحمة أو شفقة.
يكفي الإشارة إلى أن بريطانيا التي أراد لها البعض من الشامتين أن تتذوق طعم الارهاب، مثلما اكتوت به مصر وتونس والعراق واليمن والسعودية والجزائر وسوريا وغيرها من البلدان العربية، يوجد على أراضيها حوالي 5 بالمئة من المسلمين ومازالت تستقبل مئات الآلاف من اللاجئين العرب والمسلمين الهاربين من جحيم الحرب في بلداننا العربية، ويصل عدد المساجد فيها إلى المئات، وفيها الآلاف من المنظمات الإسلامية.
والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، لا تستهدف معتقدا معينا بل تزهق أرواح الأبرياء، الذين يكونون أحيانا من كل الأديان، بما في ذلك المسلمين، وجميع من لا يشاركها فكرها الدموي المتعصب.
والعرب والمسلمون الموجودون في بريطانيا وفي بقية الدول الغربية، لن يعانوا في الغالب من الهجمات الإرهابية، بل معاناتهم ستكون مزدوجة، وكل ذلك بفعل تفشي ظاهرة الخوف من الإسلام أو “الإسلاموفوبيا”، والتي هي في حقيقة الأمر نتاج طبيعي لتعبيرات الكراهية والازدراء والهجمات الإرهابية التي تنفذ باسم الإسلام.
ولكن مهما يكن من أمر، فالشماتة في الأبرياء حتى وإن لم يكونوا عربا أو مسلمين ليست دليلا على دماثة الأخلاق يا معشر الحاقدين، وحتى وإن كنّا نختلف في الفكر والعقيدة مع الغرب، فإن علينا أن نتحلى بالأخلاق العالية، ونفرّق جيّدا بين الخطأ والصواب، لأنه بالمعدن الأخلاقي يمكن الانتصار على المتشددين والإرهابيين وليس بالتشفي.
كما أن الشماتة لا تحقن دماء ضحايا الإرهاب، الذين وصل عددهم العام الماضي حوالي 33 ألفا في دول العالم، ولكن بحب الآخر والتعايش السلمي معه ونبذ العنف، نتصدي للأعمال الارهابية التي أصبحت في زماننا تطال الأحياء والأموات، والتي هي في الحقيقة نتيجة حتمية، لنهم الكثيرين على إذكاء نيران العداء والكراهية.
العالم صغير، ونحن جميعا نتقاسم العيش في مكان واحد، الأرض أمنا ووطننا جميعا، وينبغي علينا أن نعيش عليها في وئام وسلام، ومن أجل أن يتحقق ذلك يجب ألاّ نمنح الفرصة لأي كان كي ينشر أفكاره وخطاباته الحاقدة والناقمة والشامتة والكارهة للآخر، في جميع الأماكن، بما في ذلك صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي ونسارع بحذفها، لأن تلك الرسائل البغيضة تأتي من أشخاص كثر ومن أماكن متعددة، ووقع صداها كبير، وقد تساهم بشكل أو بآخر في انتقال عدم التسامح خفية بين الناس وتدمر مجتمعات بأكملها، ويكفي أن نشير إلى الخراب الكبير والتمزق اللذين خلفتهما نار الطائفية في المجتمعات العربية.
يقول المؤرخ الإنكليزي توماس وولكر آرنولد في كتابه “الدعوة إلى الإسلام” إن “المسلمين الظافرين عاملوا العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح عدة قرون، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار و إرادة حرة”.
ولكن من المؤسف أن ينقلب المسلمون والعرب على تاريخهم وقيمهم السمحة، وعوض أن يكونوا متسامحين كما آبائهم وأجدادهم الأولين، أصبحوا متواطئين في نشر الكراهية والأفكار البغيضة.
نقلا عن العرب