17 نوفمبر، 2024 1:55 م
Search
Close this search box.

كل الإمكانيات لدينا ولكن تنقصنا الوحدة

كل الإمكانيات لدينا ولكن تنقصنا الوحدة

مرت قبل ايام ذكرى الغزو والاحتلال البغيض للعراق في التاسع من افريل/نيسان 2003 والعراقيون يواجهون على مدى 16 عاما ظروف المأساة الوطنية القاسية ويخضعون الى مرارة المأزق التاريخي ببقاء وطنهم تحت احتلالين أجنبيين، مركبين ومعقدين، احدهما بات احتلالا استيطانيا يتغذى من غ وأحقاد الماضي، وتتعقد وشائج مصالحهما بما يرتبطان به من نفوذ وتحالفات قوى محلية وإقليمية ودولية وما بينهما أيضا من صراعاتها البينية ، وكلها أمور باتت معروفة ومفروزة وواضحة لكل عراقي وعراقية.

وفي الوقت الذي تحركت به شعوب عربية، مشهود لمواطنيها بالنهوض والتحدي الثوري، كلما تعرضت بلدانهم إلى الأخطار الداخلية والخارجية، ولنا بما نشاهده ونتابعه يوميا من ساحات الجزائر والسودان أمثلة ساطعة ونيرة، تؤكد على قدرة هذه الشعوب ووعي جماهيرها وقدرتها على الانتفاضة والثورة، رغم أنها جماهير عزلاء من السلاح، فازداد بزخمها عنفوان الانتفاضات الشعبية في الجزائر والسودان، واستمدت من طابعها السلمي قوة تضاف الى قوى الشعوب الحرة، وها هي تجرب أسلوب كفاح جديد، بما يسمى تنظيم الانتفاضات السلمية، كاسبة احترام وتقدير كل العالم ، ضامة إلى صفوفها الأحرار والشرفاء الوطنيين من أبناء شعوبها، وهما تجربتان عربيتان رائدتان سائرتان نحو تحقيق الانتصار المنشود والحتمي.

إن سر الانتصار في كل قضية تحررية عادلة هو توفر عامل الوحدة الوطنية أولا، وتوفر الأدوات والطلائع الثورية المؤمنة حقا بالتغيير، وقيادات غير القابلة للابتزاز أو إلى الإلحاق السياسي غير الوطني، خاصة في الساعات والمنعطفات الحرجة حينما تحين ساعة الاختمار الثوري الحقيقية والتقاط القيادة التاريخية لقرار التحرك من دون تردد أو تأجيل.

أمامنا تجربة تجمع المهنيين في السودانيين وخلفه ثقل ومعارك الحركة الوطنية السودانية الحرة، وأمامنا تجربة لجان وإطارات الحراك الشعبي في الجزائر، وخلفها دروس الحركة الوطنية الجزائرية عبر 132 من سنوات الاحتلال الفرنسي وتراث ثورة نوفمبر 1954، هناك تتجسد تجليات العمل الثوري الصبور،.

أشقاؤنا الجزائريون والسودانيون يقدمان تجربة فريدة وجديدة ورائدة لتحرير الإرادة الشعبية والتقدم بثقة نحو فرض التغيير المطلوب انجازه ، بأقل الخسائر وبأقصر الأوقات وبعظيم التضحيات . ما أحوجنا، كحركة وطنية عراقية، سليلة تراث وتاريخ مجيد لشعب العراق إلى مراجعة دروس ماضينا وحاضرنا الأقرب، وحاضر إخوتنا العرب في الجزائر والسودان.

إن الانتصار على عوامل الخوف والتردد، وتجاوز حالات الإحباط والنكوص هي الخطوة الأولى التي يجب ان تتقدم بالوعي والإدراك للأخطار التي تحيط بوطننا وشعبنا وامتنا.
كل العوامل للانطلاق متوفرة، ولكن تعوزها حالة وحدة قيادة لعراق التغيير، ولطالما أن وحدة الشعب العراقي بدأت تسترجع عافيتها تدريجيا على مستوى استعادة الوعي الجماهيري والخروج من التيه والفرقة الطائفية، ووصول هذا الوعي إلى قواعد التنظيمات الوطنية والشعبية المؤمنة بوحدة التراب العراق وهدف تحريره، مهما تغولت أمامها قوى الانفصال والتقسيم والفدرلة وتخريفات الطائفية المقيتة وحواجز الجهوية المرفوضة التي تمترس في خنادقها عملاء الاحتلال وخدام التبعية للأجنبي.

ويتجلى وعي عراقي جديد لدى أجيال عراقية جديدة، ستتجاوز كل العثرات ، وستكون بعيدة عن عقليات الذوات المريضة المتمسكة بالأنا الفارغة وبحب الظهور والتمسك بالمواقع والزعامات السياسية، وخاصة تلك المرتهنة الإرادة لدى هذا الطرف أو ذاك.

ولطالما ان وحدة العراق واسترجاعه، دولة ومجتمعا، إلى شعبه وأمته بات مطلبا، لا يعفى من واجبه أحد، وهو فرض وواجب وطني غير قابل للمساومة أو التأجيل، وهو الأساس في كل عمل جماهيري وتعبوي، يحتاج إلى رجال وطنيين، والى مبادرات مخلصة وكفاءة والى حوار وطني شامل وحلول سريعة مؤمنة بقدرات الشعب العراقي على انجاز ذلك التغيير المطلوب.

وهي معركة قيم ومثل وإخلاص، يجب أن يكرس لها جهد استثنائي يضخ إلى مفاصل وخطوات العمل الوطني العراقي بكل إبعاده وهياكله وتنظيماته المتنافرة وحتى المتقاربة، ويجب ان يتم ذلك بلا تراجع وبلا مساومات فئوية ؛ فالعملية السياسية التي فرضها الاحتلالين الإيراني والأمريكي معا دمرت العراق وحولته إلى ركام من المآسي، والعملية السياسية سقطت نهائيا في وحول الفساد والخراب الذاتي والدمار الشامل للبلاد، ولم يعد ينفعها اتكاءها على دعم الخارج، إيرانيا وأمريكيا وحتى عربيا ، فهي نتاج عملية احتلالية مخابراتية تجسسية، فاقدة لكل قيم الإنسان والحرية والكرامة والحياة. ولا إيران ولا أمريكا قادرتان بعد اليوم على فرض هذه العملية السياسية العرجاء وما أفرزته من تشكيلات وعصب إجرامية فاسدة، تمثلت في حكومات وأحزاب طارئة وهزيلة، تحكمها مجموعات مافيوية إجرامية، واجهتها أحزاب الإسلام السياسي وخلفه إدارة إيران الصفوية، وتسيرها مليشيات وأجهزة قمع عميلة، لا صلة لها بتراب العراق ولا تاريخه ولا حتى مستقبله.

ولا عذر لوطني العراق ومناضليه ورجال تحريره في تأجيل مواعيد التغيير الجذري المطلوب، انطلاقا من فهم ومراجعة ذاتية لكل فصيل، وعلى مستوى وطنية شاملة، واستخلاص كل دروس الماضي القريب والبعيد، بكل النكبات والعثرات التي آلت إلى تقسيم وحدة الصف العراقي، لفرض حالة التشرذم وضياع الوطن وارتهانه بيد أعداء الشعب العراقي والأمة العربية.
ولا بد من استعمال وشحذ كل وسائل النضال الوطني والتعبئة، دون تجاوز أية قدرة عراقية مخلصة لتراب العراق، داخل الوطن وخارجه، أية قدرة وطاقة عراقية تكون مستعدة للتضحية والعطاء من اجل استرجاع العراق، والكفاح من اجل تحريره، بروح من التألق والتمايز واليقظة . حاجتنا ماسة وضرورية إلى إي جهد فكري وتعبوي ومالي عراقي تتزايد. نحتاج ساعد وقلم وفكر كل عراقي وعراقية، لنعمل معا، كل حسب موقعه وحسب طاقته، بتفان يرتقي إلى ما نشاهده اليوم لدى أشقائنا الإبطال في جماهير وشباب الجزائر والسودان وغيرهم من الساحات.

الايجابية والتفاؤل والثقة بالنفس هي عناصر الإرادة الوطنية المطلوبة، وتلك الايجابية والإيمان بحق تقرير المصير سمة الشعوب الحية ورجالها القادة المؤمنين بالانتصار، وكما يقال في التراث الثوري: انه عندما تنحني الدروب وتنعطف لها ساعات الزمن الحرج والموحش وتدلهم الظلمات تنطلق الخيول الأصيلة ويأتي الفرسان الحقيقيون، كلما التف مسار الطريق الصعب نحو المجهول في هذا المنعرج أو ذاك.

لا توجد انتفاضة أو ثورة في التاريخ بلا عمل صبور وجاد ومستمر، وكلها تحتمل الهفوات والأخطاء، في كل محطة ومنعطف، وطالما هناك عمل؛ هناك اجتهادات ، كما هناك أخطاء؛ والقادة المتميزون وقواعدهم بشر خطاءون ، تغتفر لهم الأخطاء، إذا ما سلمت النية منهم وكان عملهم لمرضاة لله وللوطن، وستصحح المسارات الوطنية، مهما تباعدت الخطى وتقاطعت بعض الخطوط وسنلتقي على عتبة فتوح الوطن وانتصاره الموعود.

علينا تجاوز خط الشروع بثقة وبسرعة، وبذلك يتم تجاوز حالة الإحباط في بعض مساراتنا الوطنية، وعلينا التطلع من جديد لنصر وطني مرتقب، وبعد تلك التجارب المرة والقاسية، آخرها كان الغزو والاحتلال لبلادنا 2003 وتسلط أجواء الحرب الأهلية وما طبقه الاحتلالين من سياسات ” فرق تسد” وبعد تسليم بلادنا بيد وحوش الدواعش والمواعش، مكتوب علينا أن نتصارح ونتصالح ونتوافق ونتسامح ونتحد أيضا ونتقدم بشجاعة، ونترك للأجيال القادمة تقييم وإنصاف ونقد مسارات كل منا.

أمامنا أجيال من الشباب المستعد بإقدام للتضحية ولتنفيذ ما يوكل له من مهام، مهما كانت صعبة ومستحيلة. وإمامنا تجارب وخطوات شعوب عربية تحقق انجازاتها بوضح النهار وهي التي تعلمت، وتعلمنا أيضا: إن طريق المجد والنصر يبدأ بوحدة المسار الوطني وتوفر القيادة الوطنية الموحدة .

لقد تعلمت شعوب امتنا والعالم المتحررة: إن أعظم المنتصرين والأبطال في معارك الحرية والتاريخ هم أؤلئك الرجال الأشداء المتعلمين من دروس الخطأ والصواب المتعلمين في مدارس وتجارب النضال الوطني؛ فلا مسار وطني ناجع يتم بدون عثرات وأخطاء، وحتى توقف أحيانا، ولم يكن النصر إلا حليف الإرادة الوطنية الواعية الرافضة للتوقف عند منتصف الطريق. فلنتجاوز أخطاءنا بسرعة وبادراك ووعي، ولنسر معا نحو دروب حرية العراق؛ فالطريق إلى بغداد الرشيد وبقية مدننا المحتلة سيبقى الطريق الرمز للكرامة وهي طريق واسعة وتتسع للجميع.

علينا صياغة الخطاب الوطني بدقة ووضوح وتشذيبه من روح الفئوية والانا المفرطة بحب الذات والزعامة الفردية .علينا أن نتعلم كيفية مخاطبة شعبنا وامتنا وشعوب ومجتمعات أخرى أيضا.

وان غدا لناظره قريب

أحدث المقالات