الخوض في هذا الموضوع قد يؤدي لتصور البعض انه نقد لهذه الكليات او انتقاص من دورها الرائد في رفد المجتمع بالكوادر الصحية المؤهلة تـأهيلا جيدأ لذا اقتضى التنويه في بداية الحديث عن هذه الكليات التي تجتمع تحت عنوان كليات المجموعة الطبية.
ان الهدف تحليل دقيق لما يحدث فيها وتأثير ذلك. في البداية لا بد ان نشير الى قانون التعليم العالي رقم 40 لسنة 1988 وتعديلاته المختلفة وهي التعديل رقم 23 في 1992 والتعديل رقم 26 في 1996والتعديل رقم 29 لسنة 1998 والتعديل رقم 81 لسنة 2001 والتعديل رقم 11 لسنة 2002 والتعديل رقم 26 لسنة 2002 والتعديل رقم 8 لسنة 2007 ان كلمة فروع لم تذكر إلا في المادة 7 (1) في سياق الكلام عن مهام جهاز الاشراف والتقويم العلمي والمادة 19 (1ب) في سياق الكلام عن مجلس الكليةوالمادة 22 (1ب) والتي تشير لوجود مجالس فروع حالها حال مجالس الاقسام في الكلية.
عند متابعة مواد هذا القانون نجد ان هناك مساواة لحد ما بين الاقسام العلمية في مختلف الكليات وبين الفروع العلمية في كليات المجموعة الطبية كما اشارت المادة 19 (1ب) جاءت كلمة الاقسام والفروع سوية لكن لو اسقطنا هذه التسميات على ارض الواقع العملي في الجامعات العراقية نجد ان الاقسام العلمية في الكليات الاخرى غير كليات المجموعة الطبية، هذة الاقسام تلعب دورا كبيرا في تشكيل الكلية وكل قسم له عدد من الطلبة يقبلون سنويا فيه كما ان الطالب بعد اكمال المتطلبات الدراسية الخاصة بالقسم يكون الطالب مؤهل لمنحه شهادة بكالوريوس في تخصص ذلك القسم.
لنأخذ مثال على ذلك كلية الهندسة، هذة الكلية تضم الاقسام (قسم الهندسة المعمارية، قسم هندسة النفط، قسم الهندسة المدنية، قسم الهندسة الكهربائية، قسم الهندسة الميكانيكية، قسم الهندسة الكيماوية، قسم هندسة الحاسبات)، بعض كليات الهندسة في العراق تضم اقساما اقل من الاقسام المذكورة أعلاه ويعتمد ذلك على توفر الكوادر التدريسية لكل قسم والمختبرات والبنى التحتية الأخرى. وشهادة البكالوريوس التي تمنحها كليات الهندسة لطلبة هذه الاقسام تختلف من قسم إلى أخر، وهي بكالوريوس هندسة معمارية، وبكالوريوس هندسة مدنية، وبكالوريوس هندسة كهربائية وهكذا بالنسبة لباقي الأقسام…والخريجين لكليات الهندسة يميزون حسب الاقسام التي درس الطالب فيها فهناك مهندس معماري، ومهندس مدني، ومهندس كهرباء وهكذا مع بقية العناوين. كما لا يمكن للمهندس المدني ان يمارس عمل مهندس آخر مختلف التخصص مثل مهندس الكهرباء او اي عنوان اخر من عناوين المهندسين…كل هذا الكلام هو على صعيد الدراسات الاولية. الآن هل من الحكمة ان تأخذ المواد الدراسية لأحد الاقسام ونحولها إلى مسميات لفروع وبعد ذلك يطلق على القسم إسم كلية..مرة أخرى لنأخذ مثال على ذلك قسم الهندسة المدنية ونتصفح موادها الدراسية ثم نسمي أسماءهذه المواد بأسماء فروع مثل فرع الخرسانة و فرع البناء والتشيد وفرع التربة وفرع الانشاءات وفرع الموارد المائية وفرع هندسة المواصلات وفرع البيئة والصحة وغيرها من الفروع حسب المواد الدراسية في ذلك القسم. هذا يعني اصبح من الممكن ان تكون لدينا كلية تحت اسم كلية الهندسة المدنية وليس كلية الهندسة وان الفروع المذكورة أعلاه تتبع هذه الكلية…الغريب في هذا الامر ان نفس الطلبة ينتمون إلى كل هذة الفروع وان الشهادة التي يحصل عليها الطالب تبقى بكالوريوس هندسة مدنية…اذا وجود تسميات هذه الفروع او عدم وجودها لا ينعكس على المستوى العلمي الذي يتلقاه الطالب وان هذة التسميات لا اثر لها على الطالب وهو الجهة المستفيدة وبالتالي لا يؤثر وجودها او عدمة على المخرجات العلمية وفائدة المجتمع…لكن لو نظرنا من زاوية الاستحقاقات المالية والبنى التحتية نلاحظ ان هناك مخصصات سوف تدفع لرئيس كل فرع والى مقرر الفرع وهناك رواتب دوام في العطلة الصيفية سوف تدفع لرئيس الفرع والى مقرر الفرع وان هناك بنى تحتية يجب ان تتوفر لمقر عمادة الكلية وغير ذلك من البنى التحتية والكادر الوظيفي دون ان يكون هناك انعكاس ايجابي على ذلك وبالتالي تتكلف ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مبالغ طائلة كان يمكن ان توظف لدعم البحث العلمي او البنية التحتية للجامعات…لكن هذا لم يحدث في كلية الهندسة وبقى هناك قسم يسمى قسم الهندسة المدنية ولم يتشرذم الى فروع وهمية لا اثر لها على ارض الواقع وهذا هو الحال مع باقي الكليات في الجامعات العراقية عامة عدا كليات المجموعة الطبية في العراق شذت عن هذه القاعدة دون ان يكون هناك مسوغ علمي على ذلك وراحت تكلف ميزانية وزارة التعليم العالي مبالغ طائلة تصرف كمخصصات مناصب لا داعي لها..ولكي نفصل الموضوع اكثر نأخذ على سبيل المثال كأنموذج كليات الطب في العراق ونلقي الضوء عليها. كليات الطب في العراق تستقبل طلبتها عبر بوابة القبول المركزي لا يوجد هناك آلية لتوزيع الطلبة على فروع الكلية لأن هذه الفروع هي فروع إفتراضية وكذلك لا يتم قبولهم مباشرة على هذه الفروع الافتراضية كما يحدث في كليات الهندسة حيث يتم قبول الطالب من خلال الانسيابية مباشرة على الاقسام معماري او مدني او غيرها. الطلبة المقبولون في الكلية الطبية يلتحقوا بالكلية ويدرسوا نفس المناهج خلال السنوات الست من الدراسة وعند التخرج يحصلوا على نفس الشهادة…
الاسئلة هنا :
ما فائدة وجود الفروع في الكلية؟
ما هي انعكاساتها الايجابية على الطلبة؟
هل هناك انعكاسات سلبية لوجود الفروع؟
للاجابة على هذه الاسئلة علينا ان نعرف في البداية ان عدد الفروع في الكليات الطبية قد تصل إلى12 فرعا مع تفاوت في هذة الكلية او تلك وهي على التوالي: فرع التشريح، فرع الكيمياء، فرع الفسلجة، فرع الادوية، فرع الاحياء المجهرية، فرع الامراض، فرع طب الاسرة، فرع الطب، فرع الجراحة، فرع الاطفال، فرع النسائية والتوليد، و فرع يسمى فرع وصف المقررات يضم مقررات (الحاسبات و الفيزياء و الديمقراطية). ولكل فرع من هذة الفروع رئيس فرع ومقرر فرع وهي في الحقيقة أسماء لمقررات يأخذها الطالب خلال سنوات الدراسة ليس أكثر ولا يوجد اية انعكاسات إيجابية على الطلبة سواء كانت موجودة أو غير موجودة ويكون التركيز في دراسة طلبة الكليات الطبية “الدراسات الاولية” على اربع مقررات هي الاطفال، النسائية والتوليد، الجراحة، والباطنية بالدرجة الاساس وبقية التخصصات تأتي بالمرتبة الثانية. هنا اصبح من المفيد ان نشير ان طلبة الكليات المجموعة الطبية هم طلبة دراسات اولية وليسوا طلبة دراسات عليا وهذا يتطلب وجود كتاب منهجي مع بعض الكتب المساعدة تحت تصرف الطلبة مع وجود تدريسي واحد او على الاكثر اثنين لتدريس مقرر ما لكي تكون هناك مرجعية للطالب عند وجود اي استفسار يستطيع السؤال خلال الساعات المكتبية المخصصة للتدريسي كما هو الحال مع باقي الكليات ولكن
هل هذا ما يحدث في كليات المجموعة الطبية او بعضها؟
مرة أخرى لنلقي الضوء على احد مقررات الكلية الطبية كمثال ونجد حقيقة ما يحدث نتيجة لوجود ما يسمى بالفروع الافتراضية وكيفية تعرض الطالب في الدراسات الاولية الى ظلم كبير. لنأخذ مثال على ذلك مقرر الجراحة الذي يدرس في المراحل الثالثة والرابعة والخامسة وصولا الى المرحلة السادسة ونلقي الضوء على مقرر الجراحة للمرحلة الرابعة فقط.
إن عدد التدريسيين الذين يدرسون هذا المقرر للمرحلة الرابعة يصل الى 14 تدريسي!
الآن إذا كانت عدد الساعات الكلية لهذا المقرر خلال عام دراسي كاما 60 ساعة
هذا يعني ان لكل تدريسي تخصص له كمعدل بين 2 إلى 4 ساعات حسب وقت فراغ التدريسي خلال عام دراسي كامل لتغطية ال 60 ساعة المقررة لهذا المقرر.
هل هذا معقول أو مقبول في الدراسات الاولية!
واي من التدريسيين يمثل مرجعية للطالب.
من وجهة نظر الكلية هذه نقطة إيجابية للطالب!
ولكن الحقيقة غير ذلك تماما ويجب ان تقال بصوت عالي،
الحقيقة ان التدريسي في الكليات الطبية يكون مشغول بين عيادته الشخصية والمستشفيات الاهلية وطلبة الدراسات العليا وبعضهم يبقى إلى ساعات متأخرة من الليل في عيادته الخاصة، اي انه مشغول… وآخر ما يفكر فيه طالب الدراسات الدراسات الاولية! وبين ال 14 تدريسي يضيع طالب الدراسات الاولية في هذا المقرر ومثلها المقررات الاخرى وعندما يأتي وقت الامتحانات يبحث هذا التدريسي من بنك الاسئلة لديه وقد تكون بعيدة عن المقرر ولا يلتفت اطلاقا لا إلى كتاب منهجي او مساعد ولا يلتفت الى مفردات منهج ولا حتى إلى محاضراته دون ان يكون هناك ضابط وبالتالي يكون الطالب ضحية اللامبالاة هذه.
هنا ينسى التدريسي في الكلية انه تدريسي ضمن قطاع التعليم العالي ومطلوب منه الدوام 30 ساعة اسبوعيا إذا كان متفرغا تفرغ كلي وانه يستلم الراتب من الوزارة. ان تكديس عدد ليس بالقليل من التدريسيين في ما يسمى الفروع ما هو إلا وسيلة لفسح المجال امامهم لممارسة المهنة اثناء الدوام الرسمي مما يؤدي ذلك إلى أعباء مالية كبيرة على عاتق ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من خلال الرواتب والمخصصات لذا نعتقد إن على وزارة التعليم العالي الوقوف عند النقاط المثارة في هذه المقالة بعيدا عن أي ظروف أخرى لكي يجد الطالب تدريسي يصنف على انه مدرس المادة يستطيع التعامل معه والمناقشة والاستشارة. من هنا يمكن اصلاح منظومة كليات المجموعة الطبية بطريقة سوف توفر الكثير من الجهد والمال والبنى التحتية من خلال المقترح ادناه:
ويتم إلغاء ما يسمى بالفروع ويتم قبول الطلبة في هذة الاقسام مباشرة من خلال القبول المركزي كما هو الحال كلية الهندسة.