في بداية الحصار التسعيني الذي فرضته الولايات المتحدة الاميركية على العراق، بدأ الشعب يبحث عن اللقمة، واستخدم لهذا الغرض الكثير من الاساليب، وهناك في المنطقة المجاورة لنصب الحرية، الباب الشرقي بدأ ( التقفيص)، وقف شاب وبيده آلة تسجيل، وهو ينادي عليها: ( مسجل ب12 من يشتريه بتسعين، والدتي بالمستشفى وتحتاج دم)، مرّ به صديقنا كاظم في طريقه الى العمل في الكرادة، وكان انسانا طيبا جدا، الله يرحمه، فقد قتل ولم يسجن قاتله يوما واحدا، وقف كاظم، وقلبه يكاد يتفطر على الشاب، ويعتذر منه، والله لو كنت املك المال لاشتريته منك، وماهي الا لحظات حتى اتى احدهم بزي بغدادي، وعامل الشاب على آلة التسجيل، واوصله الى 75، فلم يقبل، وكاظم يتحرق، ثم اتى رجل يرتدي العقال، فاوصله الى 80 فلم يقبل، وجاء رجل يرتدي سترة وبنطلون، فاعطاه 80 ايضا، فاقسم كاظم ان الرجل قبله قد اعطى 80، وهذا الشاب امه في المستشفى، اوصله الى التسعين واجعلها في سبيل الله.
ذهب الرجل ثم عاد الثلاثة الافندي وابو عكال واللابس جراويه الى كاظم وقالوا له: ( اخونه الظاهر انته من اهل الله، واتأخرت على شغلك، عمي احنه كلنه انريد انبيع المسجل)، وهذه حكاية المسجل تنطبق تماما على العراق، حيث يوجد الكثير ممن يشبه كاظم، ربما يبكون على الوطن، ومنهم من يموت في سبيله، لكنه لايعلم ان النتيجة واحدة، هؤلاء السياسيون، ومن لف لفهم ، يريدون بيع العراق، وهم في مرحلة النداء عليه في الاسواق، لكننا المساكين نصدق فلانا وعلانا، ونعود نبكي على الاشعار والعواطف المجانية، ولاندري ماتريد اميركا، ولانعرف وزير الخارجية على ماذا يوقع وهو لايستقر في العراق اكثر من يومين، ولانعرف رئيس الوزراء على ماذا وقع في اليابان مع وزير الدفاع العراقي، وغيره من الوزراء.
لاندري على ماذا يجتمع العيساوي في قطر، وعلى ماذا استوعبت تركيا طارق الهاشمي، كثيرون يوقعون ويتفاهمون، ويتلقون المساعدات والقروض، والشعب يرتجف ويخشى من الآتي، وهو يلوذ بهذا وذاك، وشكوى هنا وشكوى هناك، المرتب سيصبح الاسمي فقط، وينفي رئيس الوزراء، ويقول: مرتب الموظف خط احمر، ثم تنفرد الوكالة الفلانية بنشر خبر ان نصف الموظفين سيمنحون اجازة اجبارية بلا مرتب، وهكذا والحكومة تفاخر كما تفاخر ( الكرعه) براس اختها،
وهذه تذكرني بسليم حين كنا صغارا، تشاجر هو وصبي آخر من الصبيان، فقال له: ( هسه يجي علاوي المدلل جيرانّه واخليه يكتلك، يوميه يكتلني)، كان سليم يريد اثبات قوة علاوي المدلل الصبي المشاكس، فيسقط نفسه امامه.
حقيقة الوطن مفلس ومليء باللصوص، وضعيف جدا، وداعش انسحبت من الرمادي، ومنهم من ارتدى الدشداشة والعقال، وجلس في بيته ليستقبل القوات المحررة، التي لم تظهر خسائر داعش، حقوق الانسان ترفض ان يصور الجيش قتلى داعش، فهل ترفض ان يصور عجلاته المحترقة، احزموا امركم ولاحظوا ان الجميع يريد بيع الوطن، وسيباع عاجلا ام آجلا، فمالكم تهرولون خلف الاناشيد والحكايات التي لاتغني عن جوع، المروحيات الاميركية انتشلت الدواعش من الانبار، الدواعش الاجانب، اما دواعش الانبار فقد خلعوا ثيابهم واستبدلوها وانتهى الامر، والنتيجة معروفة وواضحة: ( كلنه انريد انبيع المسجل).