ليس فقط (عريان السيد خلف) الشاعر والانسان ، هو من مات (عريانا) ، بل ولم يلف حتى تابوت جنازته بعلم عراقي ، حتى يوشح جسده الطاهر ، وقد أخرجوه من المستشفى ، وكأنه كأي (عريان) في بلد مثل العراق ، لاحول للبشر فيه ولا قوة!!
لا تبالي يا (عريان) الشاعر والانسان ، ولا تتألم ، فحتى أنبياء الله ورسله ، كانوا (عراة) ايضا عندما ماتوا أو توفتهم الأقدار، ونحن في آخرة الزمان كلنا (عراة) أمام رب العرش المكين، وهو من يلبسنا أثواب الكرامة ، ويعيد لنا عزة النفس ويمسح عن عيوننا سنوات الذل والمهانة التي عاشها ملايين العراقيين وبقية شعوب الارض ، وهم عندما يكونون ( ضيوفا) عند الرحمن الرحيم فهو جلت قدرته كفيل بأن تنزل رحمته عليهم، ليضع كتابهم في يمينهم الى حيث جنات الخلود!!
قليلون هم من تذكروك ، عندما كنت ترقد في المستشفى لاشهر ولايام طويلة ، كما هو حال آلاف المبدعين ممن رحلوا عن هذه الدنيا، وما أن مت وودعت الأقدار حتى تذكر من تذكر أن (العريان) قد رحل الى دار الآخرة، وتناقلت خبر وفاته بعض الفضائيات، أما الحكومة والبرلمان وكل الهيئات المهتمة بالشأن الثقافي والاعلامي والابداعي، فلم تكن حاضرة، بما يليق بمقامك أيها الشاعر!!
حتى الشعر في العراق هو الان (عريان) ، وربما يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وقد اختفت معالم جسد كثيرين من نوابغ العراق وشموعه المضيئة ولم يتبق من تلك الهياكل الكبيرة سوى لحم جاف وعظام نخرة!!
كل علماء العراق وادبائه وشعرائه وصحفييه ونخبه في كل مجالات الحياة تعيش حالة (عري ) أيها العريان ، وحاشى ان تكون (عريانا) ايها الشاعر الكبير ذو الاحساس المرهف من كنت صديقا للفقراء وملاذا للبؤساء والعشاق والمحبين، وهم من اغترفوا من بحور كلماتك مايروي ظمأهم ، ويرفع من مكانتهم الى أعالي السماء، وأنت من كسوت أجسادنا وملأت أرواحنا بما يحيلها الى أسود وطاقات خلابة مبدعة وأقمار منيرة وشموسا مشرقة وربيعا أخضر، يزهو بكل معالم التفتح والانبهار!!
لم يكن عريان السيد خلف هو (العريان الوحيد) ، وهو الذي لم يذهب الى ربه (عريانا) بل محملا بأرث بلاغي وشعري وقيمي وأخلاقي ، يفخر به العراقيون على انه أحد من أنقذهم من حالة (العري) ليلبسوا من روحه وتدفقه القيمي والشعري ، ملابس الحرير ، ومن مائه العذب شرابا طيبا مستساغا ، يكاد يشبه أنهار الجنة في وهج صفائها ونقائها وجمالها ، وقد ملأت خمرا يليق بالشاربين المؤمنين الذين تركوا للأرث الانساني مايشكل زادا روحيا وكنزا ليس تناظره كل الكنوز ، او تصل قاماته الشامخة الى كل جبال الارض الشاهقات علوا ومكانة!!
رحم الله عريان السيد خلف ، والشاعر الكبير والقامة الشامخة وأسكنه فسيح جنانه ، وهو الذي يستحق منا ان تحمله القلوب على أكتافها ، وتشيعه بما يليق به من هيبة ومكانة ، وهو الذي كان أحد شواخص بلاد الرافدين التي تنهل منها حضارات الدنيا زهوا وعزا وكبرياء..!!
أما العراقيون فهم يودعون في كل مرة ، تلك الاقمار المنيرة والكواكب المضيئة، ولم يتبق أمام الكثيرين من مواكب المبدعين والعلماء ومن أعلوا مكان بلدهم ولم يذكرهم أحد، الا انتظار (التابوت) الذي يحملهم نعشه الى مثواهم الأخير..ولا حول ولا قوة الا بالله العلي القدير!!
أجل.. كلنا نموت (عراة) يا (عريان) ..بعد إن تبرأت منا الحكومات والأوطان !!