23 ديسمبر، 2024 12:00 م

كلنا بانتظار غودو

كلنا بانتظار غودو

تراخت اوراق الاشجار وتعاقبت المواسم، لحظة واحدة هي الفاصل بين ماهو كائن وماسيكون، وصول غودو، لكنه لم يصل، طرحت الاشجار ثمارها وتلاشت الارض وجاءت ارض ثانية مالحة، حتى الانهار ملت الجريان، لكن لم يصل غودو، لم نكن سذجا في رحلة انتظارنا تلك، ولم نكن نائمين، كنا ننتظر وننتظر وننتظر، ايام طوال وشهور وسنين، كان الامل ينتزع منا اعترافنا به انتزاعا، رحلنا عن تلك الارض ومازلنا نعود بين حين وآخر لننتظر مع المنتظرين، السفن تترى تأتي وتذهب، كثيرون حاولوا ان يكونوا غودو، وابتكروا اساليب كثيرة استغلالا لمرحلة الانتظار تلك.

كانوا يتجمعون في تجمعات كبيرة ويقيمون الولائم والافراح، احدهم نقل: ان سفينة غودو متجهة اليهم، صار الجميع يبشر الجميع ان غودو في الطريق، وانها ايام وسيغادر الالم والطاعون والجوع، تورمت اقدام البعض، لكنه لم يغادر محطة الانتظار، سيأتي غودو، المبشرون بقدوم غودو كثروا في الفترة الاخيرة، الظروف جميعها تقول انه سيأتي، هيجان البحر، وتغير لون الاسماك، والريح الصفراء التي اتت بالحشرات والقمل، حتى الفئران كثرت في ذلك العام، درجات الحرارة ارتفعت، الولايات جميعها تجمعت امام البحر سيأتي غودو.

لم تكد تختفي علامة من علامات عودة غودو، حتى تظهر علامة اخرى، بالامس جاء زائر غريب يحمل رسالة من غودو، قال انه في الطريق وسفينته تمخر عباب البحر، لكنه توقف في احدى المدن للتزود بالمؤن، و سيأتي، انا اؤكد لكم، وبعد فترة من الزمن جاء زائر غريب آخر، يحمل رسالة من غودو وتوجيهات الى الناس، قائد الشرطة في المدينة لايستطيع ان يفرق الجموع، وجد نفسه مضطرا ان يصدق عودة غودو، ويندس بين الجماهير لتتورم قدماه هو الآخر في رحلة الانتظار، هناك عجوز لفظ انفاسه الاخيرة وهو ينتظر، وهناك شباب بدأ الشعر الابيض يغزو لحاهم، وهم بعد رهن الانتظار.

امهات انجبن اطفالهن في ساحة الانتظار امام البحر، انتشر الطاعون عدة مرات، ومات الناس بالمئات، الجثث في مكان الانتظار يحملها رجال الامن لتدفن في مقابر جماعية، حتى ان دولة جارة استغلت انشغال الناس بانتظار غودو، واحتلت مساحات شاسعة من البلاد ولم تواجه مقاومة، صارت الدولة تستعين بقوات من خارج البلاد وتبرم الاتفاقات الامنية، الجميع ينتظر غودو فاي تجنيد سيكون،

الصناعات جميعها توقفت، راحت الشركات الكبرى تتعاقد مع الدولة من اجل النظافة وبناء البيوت الخالية من الناس، حتى الخبز كان يوزع على المتجمهرين، القنوات التلفزيونية استوردت هي الاخرى من خارج البلاد قارئي اخبار وممثلين.

مرت الاشهر بطيئة، امتلأ ساحل البحر بالنفايات، وراحت فرق الانقاذ تترك عملها وتجمعها، ملايين الناس يقفون بلانظام، قناني المياه الفارغة تملأ المكان، ينامون بلا اغطية، يحلمون بعودة غودو، صار لكل مجموعة كبير يوجهها على كيفية الانتظار، يجب ان لايكون الانتظار عشوائيا، في اليوم التالي جاء رسول آخر يحمل رسالة من غودو: تهيئوا فانا في الطريق اليكم، امتلأوا بالجرأة والعزيمة وشكلوا مجاميع لحسن الاستقبال، احدهم ضجر من الوقوف لأعوام، فنادى لن يأتي غودو، لكن الركلات والصفعات جاءته من كل مكان، ماذا تقول منذ زمان طويل ونحن بانتظار غودو، كيف تسنى لك ان تنفي قدومه، كلنا بانتظار غودو.