كان السيد موسى الصدر (قدس) أمة في رجل، ورجل قائد أمة، تجاوز التأريخ والجغرافيا، وتجاوز حواجز الأديان وحدود الزمان، مدرسة للإنسان أرسى فيها أرقى المناهج السياسية والفكرية والمفاهيم الدينية والحضارية، كانت مواقفه وكلماته منهجاً لا يستغنى عنه لكل صاحب فكر ورؤية، ألتقيته وحادثته بشكل خاص عدة مرات منذ هجرتي من العراق إلى لبنان بداية عام ١٩٧٧ حتى تغييبه في ٣١ آب ١٩٧٨، كما كنت أسعى في ذلك الوقت أن لا أغيب عن محاضراته العامة القيمة، فكنت في كل محاضرة من محاضراته أزداد معرفة بألحقيقة وبمفاهيم إسلامية عميقة بعيدة كل البعد عما يتشدق به مدعوا التدين، فشتان ما بين علمه وبين جهلهم، لقد كان بحق مصداق قول أمير المؤمنين (ع) في وصف أهل بيته (عقلوا الدين عقل دراية ورعاية لا عقل نقل ورواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل)، أما أغلب مدعوا التدين وبالذات في العراق ممن يتسمون بألسياسيين الإسلاميين، فقد طرحوا فكراً وسلوكاً مزيفاً لا علاقة له بالدين، كرهوا الناس بالإسلام وأبعدوهم عن التدين، فكانوا بحق بئس مثل لهذا الدين العظيم ولمفاهيمه الراقية، ليس بسبب أنهم كانوا رواة للدين لا يفقهون حقيقة مفاهيمه، ويتصورون أن الدين عبارة عن مظاهر ليس لها مضامين حقيقية فحسب، بل إنهم خالفوا بديهيات الدين، وأساسيات الشرع، جهلاً بالدين وطغياناً بالسلوك والتعامل وإستئثاراً بالسلطة والمركز وتشبثاً بألحياة الدنيا وزخرفها وزبرجها، فما أزداد ألإنسان تعلقاً بالحياة الدنيا وإنخدع بمظاهرها وزينتها إلا إزداد بعداً عن الله، وإن ما مروا به من تجربة وما أعطاهم ألله من سلطة ومن مال وما أبتلاهم به من فتنة إنما ليختبرهم ليعلم الصادق منهم من الكاذب، للأسف نجد أن غالبيتهم قد فشلوا في هذا الإختبار، فليتهيئوا لعقوبة الله للكاذبين منهم في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة….. نسأل ألله أن يبعد كل مخلص لبلده عن منهج هؤلاء وسلوكهم ويرينا ويري حكامنا وكل صادق نية ليخدم وطنه وشعبه الحق حقاً ويوفقهم إتباعه ويريهم الباطل باطلاً ويوفقهم إجتنابه ولا يجعله متشابهاً عليهم فيتبعوا هواهم بغير هدىً منه، ويرزقنا ويرزقهم والقاريء الكريم حسن العاقبة وسلامة المعاد، إنه سميع مجيب……..
مواقفه وكلماته من الطائفية الدينية والمذهبية:
حدثني أخي ورفيقي الحاج عصام فتوني من مدينة قانا الجليل قرب صور في الجنوب اللبناني أنه كان هناك صاحب مقهى لبيع المثلجات التي يصنعها يدوياً في مدينة صور وهو رجل مسيحي إسمه جوزيف سليم أنتيبا يلقبه الناس ب(العم أنتيبا)، وقام رجل مسلم شيعي من صور بفتح مقهى مشابه، لم يحصل المقهى الجديد على عدد كبير من الزبائن بسبب أن إنتاجه كان أقل جودة ولذة من إنتاج العم أنتيبا، فقام صاحبنا المسلم ببث دعاية على نطاق واسع بحرمة أكل الطعام من مسيحي بسبب نجاسته، مع العلم إن هذه المقولة هي خلاف المشهور بين علماء المسلمين وبالذات علماء الإمامية، وهي خلاف قوله تعالى في كتابه الكريم {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ} [ سورة المائدة آية ٥]، وقد تأثر الكثير من الناس الذين لا يمتلكون علماً واسعاً بالشرع بتلك الإشاعة وأعرض أكثر الناس وبالذات من المسلمين الشيعة الذين يشكلون الأغلبية في مدينة صور وضواحيها عن الشراء من العم أنتيبا، فإشتكى العم أنتيبا لدى السيد موسى الصدر، فقرر السيد زيارته في وقت الذروة وبقي جالساً في مقهاه يأكل المثلجات لفترة ساعتين حيث شاهده عدد غفير من الناس، وكانت هذه البادرة سبباً لكسر الحصار على مقهى العم أنتيبا، ويمكن الإطلاع على هذه الرواية من لسان العم انتيبا على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=CgGAwr6mHIs
من مقولاته الأخرى بهذا الشأن
حدثني أخي الحاج عصام فتوني إنه سمع السيد موسى يقول “ ألمشتركات بين الشيعة والسنة بالآلاف لا يمكن إحصائها، والخلافات قليلة جداً ومحدودة، ولكن البسطاء يتحدثون بالخلافات ويتركون المشتركات، ونفس الشيء ينطبق في المشتركات بين الإسلام والمسيحية، فألتركيز على الخلافات هو نقيض قوله تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ} [ آل عمران آية ٦٤] “
ان تجار السياسة هم الذين يغذون النعرات الطائفية للمحافظة على وجودهم بحجة المحافظة على الدين في الوقت الذي يكون الدين فيه بحاجة الى من يحميه منهم .
ان التعايش الاسلامي المسيحي من أغلى ما في لبنان وهذه تجربة غنية للانسانية كلها.
تعرضت مدينة دير الأحمر المسيحية في منطقة القاع في فترة الحرب الأهلية في لبنان عام ١٩٧٥ إلى حصار طائفي، فقال السيد كلمته المشهورة في ذلك الحين “من يطلق رصاصة بإتجاه دير اﻷحمر كأنه يطلقها إلى صدري” وذهب بنفسه وزار مدينة دير الأحمر وكان سبباً لفك الحصار عنها.
الطوائف نعمة والطائفية نقمة.
الشيعة والسنة ليسا دينان، بل مذهبان لدين واحد فرقت بينهما السياسة.
من مقولاته السياسية المهمة
الدولة يجب ان لا تمثل مصالح الأكثرية و الأقلية بل يجب أن ترتفع إلى قيم السماء بعيدةً عن الحزب والطائفة والفئة.
لا حياة للوطن بدون الإحساس بالمواطنة والمشاركة.
نريد أن يبقى لبنان وطناً لجميع أبنائه.
إذا عجز النظام عن تحقيق مطالب المحرومين فليسقط غير مأسوف عليه.
إن أخطر أسلحة العدو هو التشكيك والفتنة فلنواجهه بالثقة ووحدة الكلمة.
إن السياسة وسيلة وليست حرفة يعيش الإنسان عليها ويرتزق من خلالها.
إن الوطن عند تجار السياسة كرسي وشهرة ومجد وتجارة وعلو في الأرض وفساد.
أنتم أيها السياسيون آفة لبنان وبلاؤه وإنحرافه ومرضه وكل مصائبه، إنكم الأزمة إرحلوا عن لبنان. (تنطبق هذه الكلمة إنطباقاً كاملاً على العراق وعلى أغلب سياسييه)
إن تناقضات المجتمع اللبناني (وأنا أقول المجتمع العراقي) هي التي ابقت وتبقي على السياسيين التقليديين في السلطة.
[البقية في الحلقة القادمة إن شاء ألله مع معلومات تنشر لأول مرة بشأن العلمين والفرقدين السيدين الجليلين السيد موسى الصدر والسيد محمد باقر الصدر، تبين إختلاف إسلوبهما وعظيم شأنهما وجلال قدرهما ومنزلتهما]