معلوم ان يدا واحدة لاتصفق كما يقول مثلنا.. ومعلوم ان التعاون في العمل الصالح يجدي نفعا أكثر من العمل الانفرادي، لاسيما إذا كان عملا جللا له تبعات ومردودات إيجابية في حال إنجازه، وقد قال أهلونا سابقا: “گوم التعاونت ماذلت”. ولكن اليوم في وضع العراق الراهن، هناك العديد من الأيادي المنفردة تسعى -موهومة- للتصفيق وحدها، بل هي موهومة أكثر من هذا بتصديقها أن هناك من يسمع تصفيقها.
وإنه لمن المفترض أن الأيادي تجتمع وتتآلف وتتآزر، لتصفق تصفيقا موحدا عاليا لاسيما والعراق برمته بحاجة ماسة اليه في هذا الظرف، إلا ان من الواضح جدا أن مثلنا (ابو طبع مايبدل طبعه) مازال ساري المفعول. فهناك عشرات بل مئات الأيادي، نجدها مختلفة ومتخالفة تماما في النيات والأهواء والميول والأهداف، على الرغم من أنهم جميعا يتربعون في مجلس تخرج من تحت قبته مئات القوانين التي ينتظرها المواطن بفارغ الصبر، والذي بدوره لم يرَ غير أبيات معروف الرصافي يرددها فيقول:
علـم ودسـتور ومجلس أمة
كل عن المعـنى الصحيح مُحرّفُ
من يأتِ مجلسنـا يصدّق أنه
لـمـُرادِ غيـر الناخبيـن مؤلّـفُ
وهذه الصورة التي لم تعد جديدة على العراقيين ليست إفكًا او بهتانا، فقد أثبت مسؤولونا في مجالس الدولة الثلاث، أن آخر ما يفكر به أعضاؤها -علاوة على رؤسائها- هو الشعب، وآخر مايسعون الى تحقيقه هو مصلحته، وآخر قانون يقرونه هو مايرونه يصب في خدمة المواطن، وإن أردنا عد المؤسسات التي تسير ضد المواطن وحقوقه، لأتعبنا العد والحساب، وهي التي جسدها الرصافي في قصيدته ذاتها فيقول:
كثُرت دوائرُهـا وقلّ فعالها
كالطبلِ يكبرُ وهو خالٍ أجوفُ
إن تاريخ مجلس نوابنا على سبيل المثال، خير شاهد على تذبذب القوانين والقرارات بين التأجيلات والإهمالات، ذلك أن النائب -ورئيسه- لاينظر في القوانين إلا القريبة من مصلحة حزبه وفئته وعشيرته وطائفته. وكم من نائب لم يكن العراقيون قد سمعوا باسمه إلا حين يمس قانون ما مصالح كتلته وحزبه، وكأن الرصافي قال بيته بحقهم اليوم:
أسماءُ ليس لنا سوى ألفاظها
أمّـا معانيهـا فليست تُعرفُ
بل ان كثيرا من القوانين والقرارات كانت تعادي مصلحة البلد والمواطن، الذي لم يكن يرى فيها إلا مصلحة دول أخرى وأجندات خارجية لها الريع الأكبر من عائديات تلك القوانين، وهو عين ماذكره الرصافي قبل ثمانين عاما في بيته:
من يقرأ الدستـورَ يعلم أنه
وفقـاً لصكّ الاحتلال مصنّفُ
فياأعضاء مجالس دولتنا.. نسألكم بالله وبالقسم الذي رددتموه، غيروا الصورة المشوهة التي تركها أسلافكم كوصمة غير مشرفة، تلصق بكل من امتطى صهوة المسؤولية في المجالس الرئاسية والتشريعية والتنفيذية، وكونوا عونا لمواطنيكم الذين رفعوكم الى مناصبكم هذه، وفي ذات الوقت أشداء جلدين مع المارقين من أعداء الشعب فأنتم ممثلوه، وتذكروا ماقاله الرصافي:
إن لم نُجالد بالسيوف خصومنا
فالمجــدُ باكٍ والعُلـى تتأففُ