23 ديسمبر، 2024 1:29 م

كــــــلابُ نقطــــة التفتيش

كــــــلابُ نقطــــة التفتيش

ترجّل (شاكر) من سيارة الأجرة التي أستقلها من كراج (النهضة ) بعد أكثر من نصف ساعة من توقفها في مكانها أمام نقطة التفتيش، ليُلقي نظرة على طابور السيارات التي بدأت تتوقف وتصطف خلفهم بأربع مسارات، قدّر عددها بأكثر من( 500 ) سيارة، أحد رجال حماية نقطة التفتيش أشار إلى (شاكر) بأطراف أصابع يده وحركة من رأسه فيها الصرامة والجد أن يدخل سيارته.

عاد شاكر حالاً لمقعده في السيارة بجوار السائق، وجلس وهو يحملقُ بعينيه، و يُصغي بانتباه لصوت ضابط الشرطة الذي نزل تواً من سيارته وهو يحمل على كتف بدلته العسكرية المرقطة رتبة ًعالية تتوهجُ نجماتهُا الفضيّة تحت اشعة الشمس، فيما وقف خلفه ( خمسةُ عشرَ ) من المراتب وهم مدججون بالسلاح والعتاد لحمايته، متخذين وضع التأهب الحذر؛ أعتدل الضابط ذو الرتبة العالية بوقفته وهو يتأبط عصى التبختر فيما اصطف أمامه مجموعة من أفراد سريّة الحراسة احصاهم السائق بـ ( 24 ) فرداً يتقدمهم ضابط برتبة (نقيب)، وهم بحالة الاستعداد التام.

إلتفت السائقُ الى جانبه الأيمن حيثُ يجلس (شاكر) وقال هامساً وبشيءٍ من التهكم:

ــ أعتقد أنك حين نزلت من السيارة لم تشاهد عميدَ الشرطة والحماية التي خلفه، اعتقد عنده تفتيش؟

أجابه (شاكر) وفي حديثه نوع ٌمن السخرية:

ــ ولله صحيح اليوم أني جداً تعبان وجوعان، من الفجر طالع من البيت، مللتُ من المراجعات والروتين بالدوائر،أ من سبوع أراجع على هذا المعدل، رايح جاي، والمعاملة تراوح بمكانها.!

وصمت لحظات ثم أكمل حديثه :

ــ لم أشاهد رتبته، صحيح ولله (عميد ) ثلاث نجمات وتاج.

أنزل (شاكر) زجاج باب السيارة الذي بجانبه ونادى على أحد الصِّبية الذي يملأون المكان وهم يحملون بأيديهم قناني الماء البارد وقال له:

ــ اعطني واحدة وناوله قيمتها 025 دينارا.

علا صوت (العميد) وهو يصدر الأوامر مبتدأً بالوعيد والتهديد بين النقل أو قطع الراتب أو السجن أو بجميع العقوبات!

صوت (العميد) بدأ يهدر منذراً بعد أن انتزع عصاه من تحت إبطه الأيسر ورفعها ملوحاً بها بالوعيد:

ــ أعيدها عليكم للمرة الألف

وأردف بصوت أكثر صرامة:

ــ لا أريد أن تمر أو تتسلل في غفلةٍ منكم سيارةٌ ملغومة ، أو حزام ٌ ناسف، واحذروا من هجماتهم المباغتة عليكم.

بعد أن اكمل الضابط الكبير خطابه التوجيهي أذن للتجمع بالانصراف، تحركت حمايته بكل الإتجاهات على سياراتهم، أستقل (العميد) سيارته المظللة المدرعة وحال انطلاقها، انطلق بعدها رتل سيارات الحماية بأقصى سرعة .

كانت سيارتُنا تقف في أول طابور التفتيش، عند مدخل (جملون) واسع ٍكبير الحجم، على جانبيه العديدُ من كامرات المراقبة. بعد لحظات صدر الإيعاز بإشارة من يد النقيب أن نتقدم للتفتيش، لف السائق حزام الأمان حول بطنه، وأدار محرك السيارة، وسار على مهلٍ، خطى الشرطي بجانب السيارة خطوات رتيبة وهو بوضع منتصب القامة ، و يحمل بأحدى يديه جهازاً صغيراً يُشبه المسدس للكشف عن المتفجرات والأسلحة، وبلا مقدمات اشارت عتلة الجهاز على جهتنا !

الشرطي الأخر الذي يقف قرب نافذة السائق، أخفض هامته، ودار بنظره بوجوه ركاب السيارة وبادر بالسؤال:

ــ هل يوجد من يحمل معه سلاح ؟

ــ أجابه جميع من في حوض سيارة التاكسي بالنفي.

أردف الشرطي سؤالاً أخر :

هل يوجد من في أسنانه حشوة أسنان ؟

تعالت الإجابة بنعم من ثلاثة ركاب.

أشار بيده للسائق أن نتحرك على جهة أخرى للتفتيش.

انطلقت السيارة مرة أخرى تسير على مهل، ادخلنا السائق وسط شارع محاط ٍمن الجهتين بكتل كونكريتية يزيد ارتفاعها عن ثلاتة أمتار.

كنت أفكر مع نفسي هل سيفحص أسناننا؟

استقبلنا في النقطة الثانية اثنان من مراتب الشرطة، من المكلفين بتفتيش سيارتنا.

سأل الشرطي السائق:

ــ هل السيارة مسجلة باسمك؟

أجاب السائق بثقة :

ــ نعم.

أعطني اوراق السيارة؟

أنهمك السائق بالبحث عنها في صندوق اوراق السيارة، لحظات أخرج له الاوراق المطلوبة.

ــ تفضل، وهو يسلمها للشرطي.

حدق الشرطي بالأوراق وهوية السائق، ودار بنظره على ركاب السيارة الأربعة ثم أشار بيده الى أحد الركاب شاب في العشرين من العمر ، أسمر البشرة يضع فوق أنفه الطويل نظارة شمسية معتمة.

ــ أعطني هويتك؟

ــ تفضل ، وسلّم الشاب هويته.

شرطي التفتيش موجهاً كلامه الى الشاب بعد ان دقق النظر في هويته :

ــ أخلع نظارتك!

أمتثل الشاب فوراً لأمر الشرطي.

أمسك الشرطي بجميع الأوراق، وهو يحدق بالسائق:

ــ أفتح صندوق السيارة و(البنيد) ــ غطاء محرك السيارة ــ؟

ثم دعا الجميع الى الترجل من السيارة والوقوف الى مكان يبعد عدة خطوات عن السيارة،أشارة بيده للمكان.

وأكمل كلماته للجميع:

ــ اتركوا أبواب السيارة مفتوحة؟

نبهنا السائق إلى ضرورة الانتباه والحذر من ( كلب الشرطة ) فهو احياناً يهجم ويعض بشكل مباغت.

فيما أنهمك احد أفراد الشرطة بتفتيش السيارة ومحتويات صندوقها ومحرك السيارة ، وحال إكماله التفتيش، جاء دور (الكلب البوليسي) المربوط من رقبته بحزام جلدي يُمسك بطرف الحزام أحد افراد الشرطة المدرب على ذلك، يربت المدرب على ظهر الكلب بلطفٍ وتودد، بدأ الكلب يلف حول السيارة وهو يشم كل شيء في داخل السيارة ومحتويات الصندوق. ما ان أكمل كلب التفتيش واجبه، قاده مدربه متوجهاً الى السيارة التالية التي تقف خلفنا في الطابور، أشار لنا شرطي التفتيش التوجه والركوب في السيارة.

أخذنا موقعنا في داخل السيارة، تقدم شرطي التفتيش وهو يحمل بيده أوراق السيارة وهوية الشاب، سلمها جميعاً للسائق وأشار بيده أن نتحرك وننطلق، وهو يتحدث بصوت هامس مع السلامة.

انطلقت السيارة على مهلها، وبعد عدة أمتار فتح السائق الاشارة الجانبية اليمنى للسيارة مُنبهاً من خلفه أنه يروم أن يدخل الشارع العام.

أنطلقت السيارة بسرعة جديدة ، تنهب الأرض مخلفة ً سحب التراب ، وسرعان ما سحب السائق نفساً عميقاً؛ دلالة على الارتياح

نظر (شاكر) الى ساعته وهو يتمتم :

ــ نكاد ُ نموتُ من الحر والجوع ، ساعةً كاملة فترة هذا التفتيش وياله من تفتيش!

ما أن اكمل (شاكر) عبارته حتى دبَّ الرعب بين الركاب؛ فقد صُعق الجميع لصوتِ صفيرٍ و دوي إنفجارِ هائل، سارع سائق السيارة مرتبكاً بتوجيه سيارته الى جانب الطريق، ومن ثم أوقف السيارة على جانب الطريق الترابي.

ترجل الجميع من السيارة موجهين أنظارهم الى نقطة التفتيش التي كانت تغطيها عاصفة من الدخان والأتربة وألسنة النيران ، فيما بدأت السيارات تطلق العنان لأبواق مزاميرها ، تريد الهروب من هذا الموقف غير المعروف النتائج ، ترافقها لعلعة لأصوات اطلاقات نارية متتالية متقطعة.

بينما كنا نراقب المشهد المرعب كانت (الكلاب البوليسية ) تنبح هائجةً و هي تركض من أمامنا بأقصى سرعتها هاربة مذعورة، بعد ان افلتت من الانفجار!

في المساء أشارت نشرات الأخبار في العديد من المحطات الفضائية الى حدوث انفجار كبير في نقطة التفتيش بشاحنة صهريج مفخخة يقودها انتحاري، راح ضحيته (44 ) بين شهيد وجريح من ضمنهم (10) أفراد من حماية نقطة التفتيش بالإضافة إلى خسائر مادية جسيمة.

هكذا انهى (شاكر) حديثه لأصدقائه في المقهى بانفعال وخوف وهو يردد بصوت عالي:

ــ الله أنقذنا اليوم

وأردف يقول

ــ الله وحده من أنقذنا من موتٍ محقق.