23 ديسمبر، 2024 8:29 م

كريم داود سلمان/56

كريم داود سلمان/56

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
قطفت يد الطاغية المقبور صدام حسين، صديقي الشهيد كريم داود سلمان، مثلما تنتزع وردة من رياض زاهية؛ فهو طالب في المرحلة الخامسة، من كلية الطب.
يعني.. يفصله عام واحد، عن تكحيل عيون والديه ومحبيه، بالعمل طبيبا!
جمعتنا زنزانة في مديرية امن صدام.. الثورة، آنس وحشة الموت المتربص بنا، فجر كل يوم، مرهون بنداء على الإسم، يسفر عن نهاية محتومة.
نتحاور في الموت مستهينين به؛ كي نيسر وقعه على شبابنا اليافع.. آنذاك، برغم حداثة العمر، الا ان التجارب ولوثة الوعي المبكر، أنضجت تفكيرنا، مثر رغيف خبز على مجمرة التنور، الذي فاض منه طوفان نوح.
 
بين السطور
مناقشات وأحاديث مستفيضة، لا تفلح في سبر أغوار الوقت، خلال زمن ممتد.. يصل الليل بالنهار، من دون ان نميز شروقا عن غروب؛ فوجودنا عدم، مرهون بمصباح (مخنفس) عتم حدقات أعيننا وخشن القرنيات ولم نعد (نفرزن) الوجوه حين ننظر الى بعضنا.. تساوى الحر والبرد والوجود والعدم.
حاول كريم بشتى الطرق ان يقنعني بنظريات لينين وماركس، بينما تمسكت أنا  وما زلت أقلد الامام الشهيد الاعظم محمد باقر الصدر (قدس).
الا ان إختلاف الرأي لم يفسد لنا ودا.. تفاوت القناعات، لم يفصم عرى المحبة بيننا، بل تنوعت المبادئ التي ننطلق منها بناء نظريات إجرائية، قابلة للتطبيق العملي، لو أتيحت لنا حرية التنفيذ.
 
العملاق الأصيل
داود عملاا باخلاقه وثقافته وحضور شخصيته المؤثرة ايجابا في الآخر (كاريزما).. محب للوطن بعرفانية شيوعية، تنكشف ماديا، وفق ديالكتيك جدلي ينطلق من قاع المجتمع، لخدمة العراق.. شعبا ووطنا.
إعتقل كريم، مع شقيقيه.. صفاء وضياء.. وهم الثلاثة أبناء مدرس اللغة العربية الاستاذ داود سلمان، الذي لم يدخر وسعا في تنشئة أبناء الناس، مثلما أنشأ أولاده على حسن الرأي وسداد الرؤيا، يقوم بصرهم وبصيرتهم.
نقلوا ثلاثتهم الى “نكرة السلمان” مع الاف الشبان من الكورد الفليين.. سنة ١٩٨٧، فأطبق ثقل صخوره من حول مشاعرهم يهصرها، باعثا إستغاثات مبهمة، ما زالت تنطلي على الجدران، تذكر بمن سبق ان ماتوا.. شهداءً في هذا المكان.
حدثت انتفاضة داخل السجن، إختفى على اثرها د. كريم داود وشقيقيه.. ولم يرد لهم ذكر، ولا ثمة سبيل للسؤال عنهم؛ فلم يكن ثمة سبيل للسؤال عن الحق، في عهد الباطل.
بعد سقوط الطاغية، يوم 9 نيسان 2003، علمت انه واخويه وجد رفاتهم في واحدة من المقابر الجماعية، يضطجع بين الاف من الكورد الفيليين.. رحمك الله يادكتور كريم داود سلمان وشقيقيك الاصغرين ضياء وصفاء.
 
زمر شيوعية
“وسيق الذين إتقوا ربهم الى الجنة زمرا، حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها، وقال لهم خزنتها: سلام عليكم.. طبتم فإدخلوها خالدين” الآية 72 من سورة “الزمر”.
إنهم خالدون في الجنة، فعلا، بحسب رحمة رب يجزي عباده المخلصين، نعيما، بغض النظر عن الإيديولوجيا التي إنتهجوها.. سواء أكانت دينية أم مدنية، ما دامت تنتشل الشعوب من الظلم! فكفى بالله شهيدا.