وظف المتضادات اللغوية نحو التفرد بتوصيف الدلالة الشعرية
اكتملت نصوصه الشعرية بتوازن مع موسيقاه وإيحاءات القصيدة
يحشد كلماته مثل السيل ثم يهدر بها في سياق قصيدة تحمل طلاسم ورموز وإيحاءات، تقع في سمع القارىء حتى يحار، ثم سرعان ما يجد تفسيراً ضمنياً في طياتها تدل على المعنى الذي في قلب الشاعر لتكتمل الصورة وفق ما يريد جخيور عبر أبياته من دلالة .
أبدع كريم جخيور في ترسيخ الإحساس المرهف عبر استخدام رقة الحروف وغموضها في دلالاته التي عبر عنها بشعره، فجاء حرفه رشيقاً أنيقا يوحي بالقصد الضمني لبلوغ الغاية من رسم الصورة التو صيفية.انتهج جخيور الإيحاء كوسيلة لبلوغ الهدف ، وحسر وصفه الدلالي الذي يتضمنه نصه الشعري للإجابة على أسئلة معينة ضمنها قصائده ، والتي تَقصد أن تكون أبياتها استفهامية تحمل في طياتها مابين السطور.
قصيدة كريم جخيور لا تبتعد عن منهج اكتمال النص، وتوافق الصورة الشعرية بما تحمله من مفردات تأتي بالتناسق مع الوزن الموسيقي للقصيدة، فتخرج وكأنها لوحة متكاملة المشهد دون أن تنقصه الإجابة على تساؤلات ورموز جخيور.
ما هو خارج السواد داخل مملكتي الخطيئة فضيلة الفراغ انتبهوا الفراغ قائم لا تمسح كفيك بغير الشك
المعنى في قصائد كريم جخيور يرسل رؤى متبادلة ، يرسمها حيناً على شكل سؤال يورده في نصه الشعري، بينما يتعمد استخدام الرمزية للدلالة على مقصده في أخرى ، ولا تبتعد الطلاسم عن ما يكتب جخيور بحرفية حتى يضع القارىء دائما أمام أسئلة متعددة ، يفهم من خلالها ما أراد الشاعر أن يقوله عبر تلك الرمزية ، وهو أسلوب جبار لا يتقنه ربما غير جخيور في تبادل أطر الكلمات مابين الرمزية والطلاسم حتى الوقوف أمام دلالة الحرف والمعنى الضمني ، ليصل الى القارئ بصورة استفهامية مقصودة تحمل المعنى الضمني ، وهو الأسلوب الذي كشفته مجموعة من قصائد جخيور.
فاستديري إلي آيتها العارفة
قلبك مهبط للماء
ومأوى الظليل
بأسمائك الحسنى استديري إلي
بمآذنك تتفرقد خيولا وسكينة
من قراءة نصوص الشاعر كريم جخيور نستشف تأثره بالخالد الراحل ( عبد الوهاب البياتي) خاصة حين يضمن قصائده مفردة ( أنا) ، وهي دالة على التواصل الذي لم يغفله جخيور في أبياته مابين جيل الرواد وجيل الستينات الذي ينتمي إليه جخيور، هذا الجيل الذي نتج فعلا من رحم المعاناة التي مر بها العراق ولازال والأمة
برمتها، وجسدها البياتي والسياب والملائكة كرواد للشعر الحر الذي ينتمي جخيور لمدرسته بتفوق، ومن قبلهم كانت مدرسة التفعيلة التي زانها شاعر العرب الأكبر الجواهري رحمه الله.
تحمل لغة جخيور الشعرية تقبل عالي لدى المتلقي كونها تقدم باسلوب فني، وهي الميزة التي يمتلكها كريم جخيور على من سواه، و يقدم من خلالها اكتمال النص بموسيقاه وإيحاءات القصيدة والصورة الشعرية التي ترافق النص، وهذه الحرفية في العمل تجسد ما يعرف ( بالحبكة) في النصوص الأدبية ، لكننا اجزنا لأنفسنا الاستعارة لنُحمل كلماتنا الدقة في توصيف شعر جخيور.
أنا بانتظار النار
تمنحني حكمة الأزل
وعفة الاشتعال
مزامير وصحائف
كلما قلبت أوراقها
آخذتني أليك
مدفوعا
برغائب العشق
موسيقى جخيور الشعرية تمثلت في ولوج عالم الألوان واستخدام تأثيراته في قصائده والتي ركز فيها على (الأرجواني) كدلالة تمسك بها الشاعر في غير قصيدة ليوحي من خلالها ما يحمله هذا اللون من تعبير عن تلك المعاناة التي فرضت ثقلها وبقوة على واقع حياة المجتمع العراقي عامة، وشريحة المثقفين بشكل خاص. حتى جسد كريم جخيور هذا المعنى عبر توصيف الأرجواني كلون قاني ليصف مراحل قاسية عاشها الشعب واصطبغت ( بالدم)، وهو ما يرمز له القاني حين يطلق على مسمى الدم.
أراد كريم جخيور أن يصل الى أدق المعاني ، وقد نجح في طلاسمه ورموزه التي أوردها آبياته ليؤكد إن ما ينظمه من شعر نابع من تفاعله مع المجتمع كأحد أفراده، وليدلل على انتماءه لتلك المعاناة المستمرة التي يعيشها العراقيون، و جخيور ليس بمعزل عن هذا.
عاليا انشري بريق أخطائنا أيتها المزدهرة عفة وأرجوان أيتها الطاهرة لا حليف لكي إلا الأرجوان
ومثلها يفعل في موقع أخر من القصيدة، فيحمل الأرجوان معاني عدة، كرسها في إيقاع العيون، وانحناءة الأرجوان، وهي الرمزية التي ذكرناها في سياق وصفنا لقصائد جخيور. للعيون إيقاع الأرجوان مثلما للاماني صليل الخطى منتصب ينحني الأرجوان
ويذهب جخيور بعيداً في الأحلام التي يتعامل مع كثير من مفرداتها ليوصل ما يريده من خلالها، لكنها ليست أحلام الترف والتمني، بل أحلام نابعة من واقع ما يعيشه الشاعر ويسجله من مجريات الحياة اليومية، ما يعطي توصيفاً لشعر جخيور بأنه أقرب للمدرسة (الواقعية الرمزية) إن صح استخدام هذا التعبير وإطلاقه على الشعر ، فيما يطلق أغلب الأحايين على الأعمال الفنية الأخرى بدلالة انتمائها للمدارس الفنية المعروفة، لكننا انطلقنا في وصف نصوص كريم جخيور من باب إنها أعمال فنية تشبه اللوحات، بل هي لوحات مرسومة بحرفية متناهية، ولهذا فهي تدخل في باب الوصف السابق ولا خلل في ذلك.
كريم جخيور من جيل الستينات الذي تفرد بالألم وجسده على الواقع بإبداع قل نظيره ، كتب قصائده على وقع نار العراق المشتعلة منذ (كلكامش) حتى يومنا هذا ، لم يجف أنين قصائده، ولم تحنو عليه تبدلات الدهر ، حتى بات معاقراً للنائبات لاتهمه قسوتها، ولا يهتم لأثارها على جسده ، بل حولها الى ألم متداخل في كينونته يعبر عنه شعراً وكتابة ، فأبدع ذلك الجيل الرائع ، وأبدع جخيور بزرع طلاسم ورموز شعره في ذائقة المتلقي ، فأثمرت وأينعت ، وآتت أكلها كل حين.
قطة لا يعرف الرمل وطأتها لا المنخفض تحرق الليل بماء الصباح تنطّ مبتلّة بالحرائق ومنذ المواء الأول كانت السيوف تتقاطع عليها ويناكدها الأزل ثوبها المدى كثيراً ما يضيق تشمّ رائحة الحلم ولا فناجين لديها في رئتيها فحيح الوسائد بمخالبها تزيل الصدأ سرقت من الكهول إشراقه الخطى من النساء سر التأنّق مكتنزة كالرماح كالرياح رشيقة مجهدة بيد أنها لا تنام الشوارع ملكها والبيوت الواطئة قيلولة الحلم لا تدخل الأكاذيب سورتها وصدقها مغمّس في الشبهات ودائماً دائماً خارج السواد تثير الغبار ولا ترتكن للهدوء