منذ أن نوقشت المادة 140 على طاولة المساومات بالتراضيات والتوافقات السياسية وحُشرت في الدستور العراقي في ظروف غير طبيعية كان الإستقراربكل أشكاله غائبا في ظل الإحتلال والفوضى السياسية وصرعات أطرف المتنفذة في العملية السياسية على السلطة بدأ الجدل عليها وعلى تنفيذها وكلما أشتد الأخير أشتدت الخصومات بين المعارضين والمطالبين بها ففي خلال الفترة من إعلان الدستور المتضمن للمادة والى يومنا هذا كثر الحديث عنها وتعددت وجهات النظر السياسية والقانونية وتعرضت تنفيذ المادة نفسها الى مد وجزر وكانت المسافة الزمنية كفيلة أن تنبه العقول وتوقض الضمائر من سباتها إستشعاراً بخطورة المادة وبنودها التى تهدد جغرافية العراق وكيان وحدته . قبل تناول ما أفضت الجوانب الجدلية العقيمة حول المادة التى أقلقت كل ما هو ساكن مستقر من رياح الفتنة لا بد من تناول مفهوم الدستور عامة مع مقارنة بسيط موجزة عن شروط وميزات ودور الدستور في الحفاظ على كيان وسيادة أية دولة وضمان إستقرارها سياسيا وأمنيا وإقتصاديا وإداريا وإجتماعيا …والخ من المناحي العاملة على بقاء الدولة سالما معافى من كل أمراض التوافق او التفاضل ،
فالدستور هو كتاب الوطن وإصطلاحا هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة نظاما وحكومة ملكي جمهوري رئاسي برلمانية ، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والإختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة ، أما لفظ كلمة دستور فليس لفظاً عربياً ويؤكد اللغويين فارسيته وأن كلمة دستوردخلت اللغة العربية عن طريق اللغة التركية فهى معربة لها معاني واسعة والدلالات عديدة الخوض فيها يجرنا الى الخروج عن أساسيات موضوع المقالة ، ويُعرِف القانون في المبادئ العامة للقانون الدستوري ( بأنه عبارة عن مجموعة من المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة ، والتي تضمن حقوق الحكام والمحكومين في ظل الدولة، دون أي تدخل من المعتقدات الفكرية أوالدينية ، ويتشكل مبدأ سمو الدستور من مبدأين أساسين، هما: –
1- مبدأ السمو الشكلي ( بمعنى صورته وكينوته ونوعيته ونمطه وأسلوبه من الأفكار العالية في المعنى والمغزى ) .
2- ومبدأ السمو الموضوعي ( بمعنى سلامة المادة التى تبنى عليها الهيئة والمضمون للإرتقاء نحو الأفضل والأحسن ) . عودة الى العنوان الأساسي بعد ما ورد في السطور أعلاه عن حقيقة غايات الدستور وأهدافه عامة للحديث عن المادة 140 وربطها مع الدستور العراقي الحالي المتضمن لمادة مكوناتية يتناولها بخصوصية خاصة دون الحساب لعواقبها المؤثرة سلبا …
أولا – تهدد السلم المجتمعي خاصة في كركوك التى عانت من عمليات التطبيع القسري المعروفة تفاصيلها ولازالت أثارها قائمة .
ثانيا – تزعزع الإستقرار السياسي وتفتح جبهة خلافات بين الأحزاب والكتل والتحالفات السياسية تهدد هوية العراق . ثالثا – تبعات مراحل تطبيقها تحتاج الى تخصيصات مالية ( التطبيع،إحصاء سكاني،إستفتاء ) وعلى حساب تجزئة وتقسيم الوطن ، إضافة الى قرارات وإجراءات رسمية وصرف جهود وإضاعة وقت على ماذا …؟ على مادة علاماتها الفارقة أنها مشوهة منذ الولاة مناقضة لمواد دستورية تؤكد على حرية المواطن في التنقل والإقامة والسكن .
رابعا – تُشغل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في أداء مسؤولياتها الرئيسية المطلوبة منها رغم أن الأخيرة ( المحكمة الإتحادية أقرت في 30 تموز 2019 على عدم إنتهاء صلاحيتها التاريخية في 31 تموز 2007 ) لتعود في هذه الأيام الجدال حولها مرة أخر بعد الألف في لجنة التعديلات الدستورية متزامنا مع رغبات إجراء الإنتخابات المبكرة وقد أفضت الإجتماعات الأولية بتضارب وجهات النظر بين إلغائها وبقائها او طرحها في البرلمان للتصويت عليها .
إذا تصفحنا دساتير دول العالم منذ الخليقة الدستورية والى الأن ومن حيث مفهوم ومعنى وإهمية ودور الدستور لغة وإصطلاحا ومن إعتماد تفسير وتعريف قانون المبادئ العامة للدستور لن نعثر على ما يشبه عامة الدستور العراقي الصادر في 2005 لإحتوائه من المتناقضات والمواد الخلافية المتضاربة إضافة الى الإستفتاء عليه وتمريره على عجالة وفي ظروف غامضة ، بينما يحتم الدستور بالعموم ضمان حقوق الدولة والمواطن في آن واحد دون تدخل الأفكار والأجندات ، أما الغريب والغريب جدا إحتوائه لمادة تفرض نفسها على إنهاء إجراءات فقراتها في مدة زمنية محددة وكأن الدستور معاهدة مبرمة او مقاولة على مشروع بين طرفين او أكثر دون الإشارة الى الشرط الجزائي المخل لبنود الإتفاقية أزاء أي خلل او تجاوز من طرف أخر وقد حدث ما حدث من تجاوزات في كركوك خاصة وفي مناطق ما يسمى المتنازع عليها من تهيئة العوامل المساعدة على ما يخدم طرف معين في مرحلة الإحصاء السكاني والإستفتاء ، ومن أدهى التجاهلات وأفضعها هو لا أن يحتوي الدستور على مادة تتناول مناطق متنازعة عليها ضمن حدود الوطن أشبه بدوليتن متنازعتين او في بلد مقسم ضمنا بينما ذات المواد الدستورية تقر على وحدة أرض الوطن وشعبه في ظل الدولة الإتحادية ( الفدرالية ) الصفة التى لم تشهد النور ولم تتحقق في ما يسمى من أيام المعارضة بالعراق الجديد بعد 2003 . عندما نقرأ ونتمعن متن المادة المثارة للجدل وإنتقالها من قانون إدارة المؤقت بسبب عدم توصل الى حلول تقبل بها أطراف الخلاف في كركوك خلال الفترة (2003- 2005) نلاحظ أن كركوك كانت ولا زالت الغاية والهدف والوسيلة للولوج الى المحافظات المجاورة لها (نينوى وديالى وصلاح الدين ) لإحتوائها على خزين النفط وبإعتبار تعرض تلك المناطق للتغيير الديموغرافي ولسياسة التعريب في العهد السابق وللفترة من 1968 الى ماقبل 2003 علما بان تلك السياسة طالت التركمان والمناطق التركمانية بالدرجة الأولى وكانوا حطب نارها أكثر من غيرهم حتى المساجد والحسينيات لم تسلم من الهدم بجج واهية باعتبارها مدن غلبت تركمانيتها عليها كما تشهد الإحصاءات السكانية ، وإذا كانت موجبات المادة تتحدث عن التغيير الديموغرافي وسياسية التعريب فإن أربيل أيضا تعرضت لها واُزيلت عنها تركمانيتها ، وإستذكارا للخلافات بين المركز والإقليم حول واردات النفط ونفط كركوك منذ أكثر من عقد وإستحفالها منذ 2014 سواءا في إقرار ميزانيات السنوية العامة في البرلمان وخلافاتها والى يومنا هذا في عدم الأتفاق على صيغة توفر العيش الرغيد لمواطني الإقليم وإندلاع ربيع شتوي في بعض المدن السليمانية ببديهية تؤكد أن كركوك جزء منالمشكلة بين طرفس النزاع ( المركز والإقليم) ، فكيف إذا إنسلخت كركوك من جسد العراق بعد تطبيق كامل بنود المادة 140 في ظل الأمر الواقع فيها من بعد غلبة الإستفتاء بين بقائها في حضن الوطن وإنضمامها للإقليم ….؟ مع أن الدستور ينص على أن الأقاليم تتشكل من ثلاث محافظات لا أكثر وأن الإقليم الحالي يتكون من ( أربيل ، السليمانية ، دهوك ، حلبجة ) ….!!! . ربما المستقبل القريب القادم سيشهد حلا نهائيا لعقم جدلية المادة المنفرطة العقد بعد تراكمات تعرجاتها بين تملص وإهمال من جهة والتأكيد عليها والمطالبة بإعادة الروح إليها من طرف سياسي واحد هم الأخوة الأكراد مع أن السيد مسعود البرزاني رئيس الإقليم السابق صرح في مؤتمر صحفي في 27 حزيران 2014 صرح قائلا …( أن المادة 140 من الدستور العراقي قد اُنجزت وأنتهت ولن نتحدث عنها بعد الأن وذلك بعد دخول قوات البشمركة المناطق المتنازع عليها … وقال .. لقد صبرنا عشر سنوات مع الحكومة الإتحادية لحل قضية المناطق المتنازعة عليها وفق المادة 140 لكنها كانت دون جدوى ) ومن جهته طالب الرئيس العراقي السابق فؤاد معصوم في أذار 2017 الحكومة الإتحادية بالبدء في تطبيق المادة والقيام بكامل واجباتها في هذا الشأن ، ثم تأتي أحداث 16 أكتوبر-تشرين الأول لإستعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها وإرجاع حدود ما قبل 2003 بعد إستفتاء الإقليم وقد ظهرت بوادر العملية في المؤتمر الصحفي لرئيس الوزاء الأسبق حيدر العبادي في المؤتمر الصحفي بتاريخ 10 تشرين الأول الذي بنى على نص الدستور بأن حفظ الأمن في المناطق المتنازع عليها من صلاحيات الحكومة الأتحادية ، نستشف من التصريحات السادة المسؤولين ومن الأحداث بمجرياتها عن المادة 140 والى الأن لم تجد طريقا الى التطبيق من قبل الحكومات المتعاقبة رغم تغيير رؤساء لجانها عدة مرات وأنها فعلا مادة جدلية عقيمة ليس على مستوى الشارع وبين الجماهير ونُخب الناشطين السياسين وأنما عند رؤساء الأحزاب والكتل المشاركين في العملية السياسية إضافة الى أولى الكابينات الوزارية والى الأن وأنها فعلا مادة دستورية طارئة ، وأن بعض المصوتين على إدراجها في الدستور نقلا من قانون إدارة المؤقت الذي شُرع في فترة بريمر الحاكم المدني أردوا منها زرع بذرة ديمومة الخلافات بين بغداد وأربيل وقد وقع ما أرادوا والبعض الأخر ظن يقيناً أن تحقيقها صعب المنال وأن ترضية الجانب المطالب بها توافقيا كانت او مساومة بنية المشاركة في العملية السياسية دون حسابات نتائج فحص السونار السياسي بما تؤل عليها من حمل اوعُقم في المستقبل .