نفط كركوك والبداية ….
عرف العراقيون القدامى النفط واستخدموه منذ أقدم العصور. وقد ورد ذكره في سفر النبي دانيال. وعند مرور الجيش اليوناني بقيادة الاسكندر الكبير من كركوك، شاهدوا منابع النفط وذكروا بأن الطرق كانت مرشوشة بالنفط من منبعه الى المدينة، وانهم يشعلونه في الليل وتظهر المدينة بشكل ممتع كأنها داخل كتلة من النار. يعتقد بأن السومريون قد استعملوا القار لطلاء قواربهم المصنوعة من البردي قبل خمسة آلاف سنة كما استعمل القار كمادة مانعة للرطوبة من قبل البابليون قبل ثلاثة آلاف سنة في إنشاء زقوراتهم وجدران عاصمتهم بابل و مبانيها الكبيرة. ايام الدولة الاموية كان زيت النفط او النفط الخام يستخدم في انارة الفوانيس و زيت للمنجنيق الملتهب في الحروب .واستخدم بعض العلماء العباسيين عمليات تقطير بدائية للحصول على نفط خام بدون شوائب واستخدم هذا النفط في الحمامات العامة والخاصة. ويقال بان القار استعمل كذلك في تبليط بعض طرق بغداد عند تشييدها عام 762 ميلادية.
نفط والعهد العثماني ….
وفي العهد العثماني جرت أول محاولة لاستخراج النفط في كركوك في العصر الحديث بطرق بدائية من قبل عائلة آل نفطجي. وهي عائلة تركمانية في كركوك من الاراضي المجاورة لوادي نفط دره سى أي “وادي النفط” ووجدت في المنطقة آبار سطحية بلغت ثلاثة آبار خاصة بالعائلة المذكورة أعلاه كانت تستثمر بالطرق البدائية – طريقة السحب اليدوي بالدلو- ويضمن محصولها لافراد من الاهالي حيث ينقلون النفط الخام بواسطة الحيوانات ويباع للاهالي والحمامات لاستعماله كوقود. ولاول مرة في تاريخ النفط بكركوك منح امتياز استخراجه الى عائلة نفطجى زاده من قبل الدولة العثمانية في عام 1639. بموجب فرمان صادر من قبل السلطان العثماني مراد الرابع. بعد فترة من الزمن، وقعت بعض التجاوزات والتعرضات على هذا الامتياز من قبل الغير. وعلى اثره قدم أصحاب الامتياز من عائلة نفطجى شكوى الى السلطان العثماني وذلك في سنة 1782. وفي نفس السنة ورد الى كركوك فرمان ثان مؤرخ بتاريخ 1782 معنون الى قاضي كركوك، يؤكد فيه بأن امتياز نفط كركوك يعود الى عائلة آل نفطجي حصراً ولايجوز لغيرهم التجاوز عليه.
نفط كركوك وعائلة النفطجي….
حصل على هذه الوثيقة التاريخية ناظم آل نفطجي زاده عندما كان خبيراً في لجنة تقصي الحقائق في قضية الموصل والتي شكلت حسب قرار عصبة الأمم المؤرخ في سبتمبر 1924 وقدم الموما اليه بتاريخ 30-10-1927 طلباً لرئيس الوزراء التركي، طلب منه نسخة مصدقة من الفرمان الذي منح لعائلته امتياز نفط كركوك في منطقة بابا كركر من قبل السلطان حيث ادعى بأن عائلته هم الأصحاب الشرعيون للأراضي التي تنبع منه نفط باباكركر منذ قيام الدولة العباسية والسلجوقية والعثمانية والتي استولت عليها شركة النفط التركية وتعرض على حقوقهم الشرعية وبعد تحري دائرة الأوراق (الأرشيف) التابعة لرئاسة الوزراء التركي عن الفرمان الأصلي المصدق الممنوح لهم من قبل السلطان مراد الرابع والسلطان عبد الحميد الأول فأن الدائرة لم تتوصل الى الفرمان الأول بسبب تلفه وضياعه الاّ أنهم توصلوا الى الفرمان المصدق الممنوح لهم من قبل السلطان عبد الحميد الأول المؤرخ في 1196يعتبر هذا الفرمان أول وثيقة تاريخية بامتياز النفط بكركوك.بقى امتياز وأعمال النفط بابا كوركور تحت تصرف هذه العائلة التركمانية بكركوك حوالي أكثر من ثلاثمائة عام. وكانت هذه العائلة تؤجر منطقة استخراج النفط أو تمنح بشكل التزام الى الاشخاص الذين يؤجرون ويلتزمون هذه الاراضي، ويقومون بأعمال استخراج مادة النفط ويتم تكريرها وتصفيتها، وتتم كلها بطرق بدائية بسيطة وتعرض للبيع في الأسواق المحلية. تذكر بعض الحوليات بأن هناك خمسة عشرعيناً، يستخرج منها النفط بمقدار 100 الف قيه “حقة” وكانت ذات فائدة عظيمة لمدينة كركوك، وقد دفعت حاجة العالم القصوى الى النفط كثيراً من الخبراء الى البحث عن منابع اخرى له في مناطق الدولة العثمانية حتى تمكنوا من العثور عليه في جهات شتى من العراق وسيما في كركوك. وفي أواخر العهد العثماني وبعد أن تعرف خبراء الغرب المستعمرين على هذه الثروة الحيوية اضطر السلطان عبد الحميد الثاني أن يعلن في 6 فبراير 1889 فرماناً يقر فيه حقوق امتياز النفط من الاراضي “السنية” ولايجوز التصرف بها، إلاّ بأذن السلطان شخصياً.
نفط كركوك مابين والالمان والانكليز والفرنسين ووالي العثماني …
وبعد تسع سنوات في 20 سبتمبر 1898 صدر فرمان آخر بنفس الغرض والمقتضى ضم فيها منطقة امتياز نفط بغداد.وفي عام 1908 تقرر فتح امتياز استثمار نفط كركوك للالمان ثم تشكلت شركة النفط التركية التي اشترك فيها الانكليز أيضاً.كان الالمان هم أول من حاول استكشاف النفط في العراق في الفترة (1860-1880) حيث استقدمهم والي بغداد العثماني مدحت باشا وقاموا بإنشاء مصفى في بعقوبة لتصفية النفط المستخرج من مندلي وفي عام 1882قام السلطان عبد الحميد الثاني بإصدار فرمان من الباب العالي يقضي بضم أراضي الموصل (بضمنها عين زالة و القيارة). وفي العام 1902 تم حفر أول بئر نفطية بمهارات انكليزية في حقل جيا سورخ قريبا من الحدود الايرانية ورغم قلة الإنتاج الا انها كانت طفرة نوعية وجذبت انتباه الشركات الاخرى للعراق وفي عام 1905 قامت شركات فرنسية وألمانية بمحاولة استخراج النفط من حقول القيارة. في عام 1912 قام المدعو كالوستي كولبينكيان (رجل الأعمال الارمني المشهور البرتغالي الجنسية) بالتعاون مع شركات النفط الكبرى الأوروبية بتأسيس شركة البترول التركية في اسطنبول وحصلت الشركة من حكومة الباب العالي في اسطنبول على امتياز التنقيب واستكشاف النفط في كافة الأراضي العثمانية كالعراق وسوريا وجنوب تركيا، لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى حال دون اكمال الاستكشافات في العراق . النفط في العراق فيما بعد الحرب العالمية الأولى: رغم تفجر النفط بكميات كبيرة في تشرين الأول/أكتوبر 1927 من البئر رقم (1) في حقل بابا كركر في منطقة كركوك
اكتشاف حقل نفط كركوك ……
فقد تمت المباشرة بحفر البئر الاولى في العراق في منطقة بلكانة في 24 نيسان 1927 بحضور الملك فيصل الاول ليتبع ذلك المباشرة بالحفر في اربعة مواقع اخرى قبل ان يباشر بحفر البئر السادسة في منطقة بابا كركر القريبة من النار الازلية بالقرب من مدينة كركوك في 30 حزيران 1927.استمر الحفر في بئر كركوك خلال اشهر الصيف والخريف دون توقف ليصل الى عمق 1521 قدما عندما توقف الحفر لانزال بطانة للبئر بقطر 10.75 عقدة ضخ الاسمنت لتثبيتها في مكانها. استؤنفت أعمال الحفر في منتصف ليلة 13/14 من شهر تشرين الاول/اكتوبر فلم يمض إلا وقت قصير على ذلك الا وبدأ النفط بالتدفق في الفضاء بضوضاء مخيفة الى ارتفاع 140 قدما ليغطي اعلى البرج
وصف انفجار البئر….
لقد وصف الجيولوجي المسؤول عن عملية الحفر وليامسون ما حدث بعد انفجار البئر المفاجئ والهائل كما يلي : جرى الحفار بسرعة الى موقع المراجل لاطفاء النار هناك وعند الصباح وجدنا السماء مغطاة بسحابة من الغاز والرذاذ وكان النفط يجري كالنهر في وادي النفط القريب. وفي الساعة الثانية من بعد الظهر وجدنا انبوب الحفر الطويل والثقيل جدا يندفع من البئر منقذفا إلى الأعلى خلال برج الحفر بضوضاء رهيبة. مرت ثلاثة ايام قبل ان يتم غلق الصمام الرئيسي للبئر لنجد الأراضي التي حولنا مشبعة بالنفط بعمق يصل الى عدة عقد وان النسيم الذي يهب حولنا كان مشبع برذاذ النفط كذلك. أخبرنا الرجال الذين قدموا الينا بان زجاجات سياراتهم بدأت تغطى رذاذ النفط على بعد عشرة أميال من موقع البئر. لقد قام احد المهملين بإشعال ثقابة على بعد نصف ميل من البئر أدت الى نشوب حريق رهيب في المنطقة المجاورة تم اطفاءه بسرعة بتغطيته بالتراب ليتم بعد ذلك تشديد الحراسة باستمرار لتفادي نشوب أي حريق في المستقبل.لقد تم عمل سدود ترابية في وادي النفط لحصر النفط الجاري فيه ومنعه من التقدم لمسافات بعيدة ولو حدثت امطار في تلك الفترة لجرفت مياهها آلاف الاطنان من ذلك النفط في طريقها الى نهر دجلة لينتج عن ذلك كارثة بيئية رهيبة. اما النفط المتدفق ورذاذه المنتشر في الفضاء و الضوضاء الرهيبة التي رافقته فقد احدثت قلقا وخوفا شديدين بين اهالي مدينة كركوك فقد قال احدهم :بالرغم من ان النفط لم يكن غريبا علينا فقد قمنا بجمعه من التسربات في المنطقة منذ آلاف السنين الا ان اندفاعه العنيف و الضوضاء الرهيبة التي رافقت ذلك اضافة الى الغازات السامة المنتشرة في الهواء قد جعلت بعض الناس يعتقدون بان ذلك كان عقابا من رب العالمين لكثرة ذنوبهم لم يكن بالإمكان غلق الصمام الرئيسي للبئر الا بعد مرور ثلاثة ايام من انفجارها اي في يوم 17 تشرين الأول لتتم بذلك السيطرة على تدفق النفط. لقد اثبتت الفحوصات في الأيام القليلة التي تلت ذلك بان النفط كان يتدفق بمعدل يقدر بحوالي 90,000 برميل باليوم ليغطى المنطقة الواسعة حول البئر بكاملها ويأخذ مجراه الى وادي النفط. هذا وقد تم غلق البئر بعد اكمال الفحوصات اللازمة في يوم 23 من ذلك الشهر بانتظار تطوير الحقل. لقد اثبتت تلك البئر بما لا يقبل الشك العثور على حقل عملاق متميز بكل معنى الكلمة. هذا ومن الجدير بالذكر أن تلك البئر تقع على مسافة قصيرة لا تزيد عن بضع مئات من الأمتار عن موقع النار الازلية الشهيرة التي كان يتسرب اليها الغاز عبر العصور من ذلك الحقل والتي كانت تدور حولها التكهنات والخرافات حتى ذلك الوقت إلا أن عمليات الإنتاج للنفط العراقي تأخرت لعدة سنوات إلى حين الاتفاق ثم الانتهاء من مد أول خطوط النفط غرباً باتجاه سوريا ولبنان واللتان كانتا خاضعتين للانتداب الفرنسي. وبذلك يتم تقاسم خيرات النفط العراقي بين البريطانيين والفرنسيين وأصبح النفط العراقي حكراً لشركة نفط العراق بموجب اتفاقية الامتياز الممنوحة لها تحت الضغط البريطاني وتاريخ هذه الشركة حافل بالمفاجآت فهي نفسها شركة الامتيازات الافريقية والشرقية المحدودة المسجلة عام 1911وهي نفسها شركة النفط التركية التي جاء ذكرها سابقا اذن من الواضح ان الاستعمار الغربي كان يستبدل اسم الشركة حسب المستجدات السياسية فقط ليوهم الناس البسطاء والحكام السذج انها ملك لهم بينما هي في الواقع لملك لاصحاب الاسهم التي كانت تتكون من : 1-23.75 % لشركة النفط البريطانية (او ماكان يسمى شركة النفط الانجلو – فارسية) 2-23.75 % لشركة رويال دوتش شيل البريطانية –الهولندية 3-23.75 % لشركة النفط الفرنسية 4-23.75 % لشركة تنمية الشرق الاوسط الامريكية 5- 5 % لورثة كولبينكيان وكان أول اكتشاف له هو اكتشاف النفط في كركوك عام 1927 وبدأت بالانتاج والتصدير عام 1934 وكان للنفط دور مهم في تغيير السياسات الحاكمة في العراق..
نفط كركوك وتأميم النفط …..
بقي النفط تحت أدارة الشركات الاجنبيه وسياساتها حتى بدأت تتبلور فكرة التأميم وكان أول من نادى الى التأميم هو الدكتور محمد سلمان حسن في العراق لتأميم النفط،من خلال دراسة عميقة جدا القيت في نقابة الاقتصاديين اواخر ستينات القرن العشرين ونشرت في دراساته نحو( تأميم النفط العراقي )التي القيت كمحاضرة سنة 1966 . فبعد الحكم الملكي في العام 1958 إعارة الحكومة الجديدة اهتماما خاصا لقضايا النفط فشكلت لأول مرة وزارة خاصة للنفط في العام 1959 اعقبها طلب الحكومة من الشركات اعادة النظر باتفاقية الامتياز لتحسين الشروط وتطبيق ما اعتقدته الحكومة من حقها وفق هذه الاتفاقية. وبعد فشل المحادثات قامت الحكومة بإصدار القانون الشهير رقم 80 في 11 كانون الأول من عام 1961 الذي وضع 99.5% من اراضي الامتياز تحت سيطرة الحكومة العراقية وترك للشركات الاجنبية مساحات الحقول المنتجة للنفط فقط.لذلك ساءت العلاقة بين الحكومة والشركات النفطية لكن مع ذلك لم تتخذ الحكومة أية إجراءات جديدة ضد الشركات حتى العام 1964 عندما أقدمت على انشاء شركة النفط الوطنية العراقية وعهدت اليها بجميع الأراضي الخارجة عن سيطرة الشركات.وازدادت رغبة الحكومة في لعب دور أكبر بعد تلكؤ الشركات في تنفيذ رغباتها في زيادة الانتاج وتحسين شروط الاتفاقيات المعقودة معها.ومما عزز من موقف الحكومة ان شركة النفط الوطنية قد قوى عودها وبدأت عمليات استكشاف واسعة بمساعدة بعض الدول الصديقة في الاراضي التي تمت السيطرة عليها . وبعد مفاوضات مضنية بين الطرفين اصدرت الحكومة القرار رقم 69 في 1972/6/1 الذي تم بموجبه تأميم عمليات شركة نفط العراق وتبع ذلك تدريجيا تأميم الشركات النفطية العاملة في شركة نفط البصرة والموصل وحتى التأميم الكامل لجميع اعمال ومصالح شركات النفط الدولية النفطية في العراق بموجب القانون رقم 200 لعام 1975 وبذلك اصبح جميع قطاع النفط تحت سيطرة الحكومة العراقية.