في عام 2011 وصف رئيس الجمهورية السابق وزعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ، جلال الطالباني ،كركوك على انها قدس كردستان في اشارة واضحة إلى ان هذه المحافظة هي جزء لايتجزأ من الاقليم ولا يمكن التخلي عنها وستبقى هدفاً منشوداً مهما طال الزمن .. وفي عام 2015 اعلن رئيس الاقليم مسعود البارزاني ان الحدود الجديدة للمنطقة ترسم بالدم ، ونستشف من خلال هذه التصريحات ان الاكراد لن يتخلوا عن سعيهم لضم كركوك للإقليم ، وربما ان قرارهم بإعلان الانفصال متوقف على هذه الخطوة ، فكركوك مدينة الذهب الاسود !!
وفي ظل هذه التوجهات والتقاطعات دخلت كركوك نفقاً مظلماً ، ففي الوقت الذي مازالت فيه داعش تهدد أمن المحافظة مع بقاء الحويجة محتلة من قبل هذا التنظيم الارهابي ، اقدم المحافظ نجم الدين كريم الذي ينتمي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني على خطوة تسببت بخلط الاوراق وتأجيج الاوضاع ، حين قرر رفع علم الاقليم فوق المباني الرسمية إلى جانب العلم العراقي ، فكانت اول ردود الفعل ، مطالبة المكونات الأخرى برفع اعلامها أيضاً لتصبح كركوك مدينة الأعلام !! .. حتى انقرة اعربت وعلى لسان سفيرها في بغداد عن انزعاجها ! الشديد لخطوة حكومة كركوك ، وإنها لن تستمر في سياسة الصمت ازاء هذه المخالفة للدستور العراقي !! ، وهنا ربما يريد السفير ان يشير من طرف خفي إلى ان انقرة لديها قوات في داخل الاراضي العراقية يمكنها التدخل اذا اقتضت الضرورة ، خصوصاً عندما يقول ان تركيا ستتابع الموقف عن كثب !! .. وطالما ذكرّنا السفير فاتح يلدز بالدستور ونبهنا إلى ان رفع علم اقليم كردستان يعد مخالفة دستورية ، فأن التساؤل المثار هنا : هل للحكومة المركزية أي سلطة او ولاية على الحكومات المحلية غير المنتظمة بإقليم ، هل بإمكان المركز ان يتخذ أي اجراء يمنع بموجبه هذه الحكومة المحلية او تلك من اتخاذ أي فعل يتعارض مع الدستور ؟ .. ام انها تكتفي بالاستنكار والإعلان عن الانزعاج والرفض فقط ؟ .. نعم ، ان بإمكان الحكومة المركزية ان تمنع قرار حكومة كركوك بموجب الدستور . كما ان البرلمان الاتحادي هو ايضاً قادر على اتخاذ قرار بإنزال علم الاقليم مادام ان مصير محافظة كركوك مازال ،غير محدد ، وهكذا فعل البرلمان ، ولكن قراره جوبه بالرفض والاستنكار من قبل الكرد مجتمعين !!
نعم .. نحن ندرك ضرورة وأهمية ان تكون ردود الفعل مدروسة وبعيدة عن التهور ، الامر الذي قد يتسبب بإثارة المزيد من الازمات التي نحن في غنى عنها الآن ، ولكن في المقابل يجب ان لايمر هذا الامر من دون موقف حازم ، لان تركه هكذا سنكون امام سياسة الامر الواقع وعند ذاك تصبح كركوك جزءاً من الاقليم من دون العودة إلى ابنائها ليقولوا كلمتهم في تقرير مصير مدينتهم من خلال استفتاء عام كما دعت إلى ذلك المادة 140 من الدستور .. وصدقوني ان اللامركزية التي يتحدثون عنها كثيراً لاتعني اعلان المحافظات « استقلالها» ادارياً وسياسياً واقتصادياً ،!!.. اللامركزية تعني توفير الخدمات وليس رفع الاعلام فوق السطوح !!
نقلا عن الصباح الجديد