لكل منا حريته في كيفية أستعمال حق الاختيار، في كل ميادين الحياة.
شخصيا لا أميلُ لهذا النوع من التواصل المجتمعي، ربما لعيب لديّ أو ريب مِن هكذا أنفتاح.. بتهذيبٍ حقيقي، أتحاشى الأختلاط، تصل رسائلي إليهم بالقليل من كلامي وبكياسة تامة. فينغلق الموضوع لمدة طويلة وحين يعاود الطرف المعني ويجدني كما تركني قبل ذلك فأنه بكل لياقة ٍ سينسحب. وهكذا نتبادل السلام والسلام عليكم ..ونكتفي بذلك .
(*)
لكن مشكلتي مع الآلة التي تمارس وقاحتها معي منذ سنوات، وتطلب مني أن يكون لي حسابا بالفيسبوك، فأتجاهلها بالحذف من خلال إيميلي الشخصي . لن يقنعني أي أحد أن المسألة تكون ميكانيكيا، وبلا مجهود من طرف يتحكم بالآلة. هذا الطرف يهمه أن يكون الجميع في قبضته يعرف عنهم كل ما يريد معرفته، ويبدو يستفزه الاسم الذي لا يكون في حديقة الحيوان التابعة له..ليس لديّ أسرار، وجهي متوفرٌ في المواقع الثقافية. ويمكن للقائمين على الفيسبوك معرفتي من خلاله، لماذا هذا الاصرار السخيف من الفيسبوك أن يستولي على نعجتي ويجعلها مع بقية نعاجه المليارية المستأنسة من خلاله !!
إذن من المؤكد هو غير معني بوجهي الثقافي بل ينبش بحثا عن وجهي الاجتماعي وأنا لاأملك سوى هذا الوجه الواحد الذي يحتملني في كل الميادين
(*)
السفاهة نفسها على المستوى الجمعي في الفاصل الإعلاني الذي يؤذي المشاهدين من مدفع الافطار حتى الصلاة الجماعية بالفيسبوك.. فالمشاهد يرى المسلسل أو البرنامج لمدة لا تتجاوز العشر دقائق ثم عليه أن يتجرع إعلانات مصنعة في منتهى السفاهة والتفاهة .. المستفيد من الإعلان المحطة الفضائية والطرف المعلن..أما الضحايا فهي موجهات التلقي المرئي لدينا التي تفسدها التكرارات الوضيعة في الغالب لمعظم الاعلانات التي لم تعد تقتنع بخدش الحياء بل ………!!
(*)
لوكان الإعلام رجلا ويلح عليك كلما رآك تتحاور مع أحدهم، وقاطعك وحشرك في مواهبه التافهة كم مرة لديك استعداد أن تحتمله!! وهل ستبقى في هدوئك مع سماجة إلحاحاته ؟
(*)
هل هذه هي أخلاقيات الحداثة المرئية؟ أن تُفرض نفسها عليك بتفاهتها وسفاهتها وأنت في بيتك تطلب الراحة وتريد متابعة برنامجا أو مسلسلا جميلا !!
(*)
أنعكس الفاصل الاعلاني وسلوك الفيسبوك على التعامل اليومي فصديقك لا يسلم عليك حين يرسل لك مادة عبر الواتساب ومشتقاته، كأن التحيات صارت من الكماليات !! وهؤلاء يجعلونني اضحك باكيا ..حين يخبرونني أنهم حين يفتحون عيونهم نصف المغمضة المثقلة بالنعاس على الفيس يبتهجون : لأن القائمين على الفيس يصبّحون عليهم باسمائهم : صباح الخير فلان …!! فتنفتح مخيلة الاصدقاء ويتصور القائمين هم بشخصهم وبوجوههم النظرة طلوا عليهم وسلمواً تسليما..!!
(*)
صديقٌ قصدته معزيا، بعد أن ارتشفتُ القهوة َ مرتين همسني : (أكثر من ثلاثين ألف صديق بالفيس عزوّني ..) لم أقل هل دفعوا واجبا..فقد تسمرّت عيناي على الجالسين من كبار السن في الجهة المقابلة بيد كل واحد منهم موبايل و يشاركون سواهم في لعبة ٍ ويعترضون على لعبة تقنية تم حضرها في العراق !! سألتني : هل نحن في مقهى أم مجلس عزاء!!
*عمود شهري، في مجلة الغد : لسان حال محلية البصرة للحزب الشيوعي العراقي / ع / تموز/ 2019