يعلم أبو بكرٍ البغدادي جيدًا أن دولته إلى الأفول قطعًا، فما زال كل يوم يفقد أجزاءً من دولته –”المباركة” دولة الأشاوس من الانغماسيين القادمين من الأرجاء والأنحاء تاركين خلفهم ملذات الدنيا وشهواتها ونساءها وهم يرددون باقية وتتمدد.
يدرك الأميرُ البغدادي جيدًا أن 40% أو أكثر من أراضي دولته فقدها وهُزم جنوده وهم يشعرون.
نتكلم عن المقدادية والسعدية في ديالى، وجرف الصخر في بابل، وكذلك صلاح الدين وبيجي والرمادي وسنجار وآمرلي، وغيرها من المدن.
لم يتبق للأمير إلا الموصل وعدد من الأقضية في الأنبار، ونجزم بانتهاء هذه اللعبة ربما في هذه السنة كما قال العبادي خلال لقائه الأخير مع أنجيلا ميركل.
أبو بكر يتربع على كرسي الخلافة متنقلًا بين ولاياته؛ فمن الموصل والجامع الكبير إلى الفلوجة وهو يوزع شهاداتٍ تقديرية على حفظة القرآن الكريم، ويحق لنا أن نتساءل: كيف دخل البغدادي إلى الفلوجة وهي محاصرة من كل حدب وصوب؟! كيف دخل والمدينة لا يخرج منها شيء بسبب “داعش” ولا يدخلها شيء بسبب القوات العراقية والحصار المفروض؟! ولماذا يقول العراقيون في وسائل التواصل الاجتماعي أن طائرة هبطت في الموصل قبل يومين ونزلت في الفلوجة.. ولكن العراقيين كعادتهم ينظرون بعين ممتلئة بنظرية المؤامرة.
البغدادي باليشمغ الأحمر وهو يرتقي منبرًا في أحد جوامع الفلوجة حسبما ذكرت صحيفة “التايمز” اللندنية ويجلس بجنبه تحت المنبر عدد من الشيوخ الموالين له والمناصرين والداعين له بظهر الغيب.
البغدادي يعلم علم اليقين أنه سيأتي اليوم الذي لم يعد باستطاعته التنقل بين ولاياته، وسيفقد كرسي الخلافة المريح جدًا فهو ككراسي المنطقة الخضراء، ويعلم جيدًا أنه سيأتي اليوم الذي لا تصل إليه تقارير الواشين وهم يطلقون أحكامهم على الناس، فهذا مرتد وهذا كافر وهذا يحتاج إلى عقوبة رادعة، هو يعرف ذلك جيدًا، ويعرف أيضًا أنه سيأتي اليوم الذي لا تأتيه فيه تقارير بيع النفط المسروق من قوت الشعوب المنهكة من ظلم الظالمين، ولا تقارير رسوم الجمارك والصكوك والضرائب والإتاوات المفروضة على أهل الموصل ومن جاورهم ممن يمرون في الطريق العام.
البغدادي يعلم عدة أمور منها: سيأتي يومٌ تغيب عنه أخبار الفتوحات والانتصارات، وتجنيد الأوروبيين القادمين من بلدانهم بإغراء المال أو حب السلطة أو الجهل بالدين وأحكامه.. الذين جندهم “داعش” عبر الإنترنت والفيس بوك وسكايب وتويتر، وكذلك لا تأتيه النساء اللاتي وهبن أنفسهن للخليفة ومساعدة المقاتلين.
يتساءل البغدادي هل هذا سيحصل وسيأتي اليوم الذي لا أعرف فيه تفاصيل قتلى المرتدين من أهل الأنبار وصلاح الدين، ولا تصلني التقارير عن عمليات الذبح بتفاصيلها، فمنهم من ذُبِح من عنقه ومنهم من ذبح من خلفه، وحتى تفاصيل الزمان والمكان ونوع السكين ونوع الكاميرا التي صوروا بها العملية.. هل كل ذلك لا يأتيني؟!
يتساءل أيضًا هل سيأتي يومٌ لا أقرأ فيه سردًا لأعداد القتلى وكيف تمت عملية قتلهم، فالقائمة مقسمّة كالآتي.. اسم الشخص… مكانه… الطريقة التي قُتِل فيها… فلدينا أنواع من القتل كثيرة وفيرة منها الإحراق والإغراق والتفجير والرمي من فوق السطوح، وهلم جرًّا.
مرحلة داعش يجب أن تطوى مع الزمان وننظر للمستقبل، فالمرحلة التي تعقب الغزو هي مِن أصعب المراحل في تاريخ الدول التي نهضت لأنها تحتاج إلى نهضة شاملة عامة تبدأ من أصغر موظف ومواطن بسيط إلى أعلى درجة في الوزارة أو الحكومة.. ليس الإعمار وحده كافيًا بل تأسيس الأفكار قبل الإعمار وإصلاح النفوس والعقول قبل إصلاح الأراضي والممتلكات، لا نريد أن يخرج إلينا داعش آخر بوجه جديد، نريد أن نمحو ثقافة التدعشش من عقولنا، لأننا وببساطة تأثرنا ولو قليلًا وأصبنا الرذاذ ففقدنا كثيرًا من تسامحنا ومحبتنا ومودتنا لبعضنا البعض تحت هذا العجيج والضجيج، ومئات المصائب اليومية وسيل من الاتهامات لبعضنا البعض على وسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت في تهدمنا وسقوط الكثير من قيمنا تحت قدميها وتحت بريقها وتواجدها اليومي والساعاتي والدقائقي