23 ديسمبر، 2024 6:37 ص

كردستان ملاذ الخائفين !

كردستان ملاذ الخائفين !

بعد أن تم إسقاط النظام العراقي السابق عام ٢٠٠٣ على يد الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، دخلت أسراب من التنظيمات المتطرفة إلى العراق، ابتداء من تنظيم القاعدة، والميليشيات العقائدية، وانتهاء بتنظيم داعش الذي عاث فسادا وخرابا في المجتمع العراقي، وكذلك اندلعت حرب أهلية طاحنة ومدمرة، فكان لا يمر يوم من دون أن نشهد أو نسمع عن تفجيرات إرهابية وعن جثث مرمية في الطرقات، وعن سلب، ونهب، وتهديدات بالقتل، مما أدى ذلك إلى هروب أغلب العوائل من تلك المناطق أو المحافظات إلى إقليم كردستان الذي كان وما يزال يشهد استقرارا أمنيا. وحتى قبل عام ٢٠٠٣ كانت كردستان ملاذا للمعارضين السياسيين العراقيين الهاربين من بطش وملاحقة الأنظمة العراقية المتعاقبة.

ثم اندلعت الأزمة السورية عام ٢٠١١، وتحولت الثورة السورية ضد نظام الأسد، الذي تشبث بالسلطة، من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة أحرقت الأخضر واليابس، فتسببت بتهجير ملايين السوريين، الذين لجأ الآلاف منهم إلى إقليم كردستان .

وفي الوقت الذي تم منع أغلب النازحين من دخول بغداد، و يشهد جسر بزيبز على ذلك، ومنع اللاجئين السوريين من دخول معظم البلاد العربية، فإن كردستان الجنوبية (كردستان العراق) هذه البقعة التي تنعم بالأمن والأمان استقبلت أكثر من مليوني نازح و لاجئ وهم من مختلف الأجناس والأعراق والأديان والطوائف والأيديولوجيات، و تقاسمت معهم رغيف الخبز والأمان، رغم أن الأعداد التي لجأت إليها ضخمة جدا قياسا وحجم مساحة الأرض التي يسكنها نحو ستة ملايين نسمة، ولم يتنصل الشعب الكردستاني عن القيام بواجبه الأخلاقي والإنساني تجاههم.

لقد تعرض اللاجئين و النازحين لمضايقات جمة داخل بلدانهم وخارجها، لاسيما في تركيا ولبنان، لكن ذلك لم يحدث في كردستان التي رحبت بهم، واستقبلتهم أحسن استقبال، فهذه الأرض لطالما احتظنت و رحبت بالمظلومين و المضطهدين. ورغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي مرت بها كردستان ، لاسيما سنة ٢٠١٤، إلا أنها مع ذلك لم تستخدم النازحين واللاجئين كورقة ابتزازية رابحة بوجه المجتمع الدولي، مثلما فعلت تركيا عندما استخدمتهم لإبتزاز الإتحاد الأوروبي. ولم تضيق الخناق عليهم وتجبرهم على الرجوع إلى ديارهم كما فعل لبنان وتركيا. ولم تدقق في هوياتهم الطائفية كما فعلت بغداد.

يستحق شعب كردستان وحكومته الثناء و الإشادة على مواقفهم الإنسانية مع جميع النازحين واللاجئين دون تميز، وإن هذا الموقف الذي نفخر به سيسجل بأحرف من ذهب في كتب التاريخ الإنساني، وستضاف إلى سجل شعبنا الأبي ، الذي كان قد مر بمثل تلك الظروف الصعبة، فشعر بمعاناة النازحين واللاجئين أكثر من غيره . نعم كردستان تستحق عن جدارة واستحقاق أن نمنحها لقب “ملاذ الخائفين”.