[ محاولة للفهم ]
الجزء الأول
لعلَّ الوعي بمعضلةٍ ما ، أو قضيةٍ ومشكلةٍ هو نصف الحلِّ لها تقريباً . أما النصف الآخر فهو مرهونٌ بالوقوف على المعادلات والعوامل المؤدية الى حلِّها وفهمها ، فهي بمثابة المفتاح الأساسي للحلِّ ، أي وجوب معرفة المعادلات والعوامل والأسباب التي مآلها الفوز في النهاية أو الإقتراب من الفوز على الأقل .
إن الإشكال الأساسي الذي يواجه أيَّ مشكلة وقضية يكمن في عدم الدراية والإحاطة المعرفية اللازمة بها من جميع نواحيها ، وإنِ آنتفى الوعي الصحيح والمعرفة الصحيحة ، ثم الفهم الدقيق والعميق والعلم بالعوامل والأسباب التي تُعبِّدُ الطريق للنجاح فإن الفشل بداهةً سيكون هو النتيجة الطبيعية والحصاد المُرُّ في نهاية المطاف ، وإنْ تكررت المحاولات كثيراً . ومن كان يتحرك ويُفكِّر بتلك الشاكلة والنمط ويعمل بذاك الأسلوب الخاطيء والتفكير الخاطيء فلا يَلومَنَّ إلاّ نفسه إن هَوَى في القاع وسقط . فالبناء الذي يكون أساسه معوجَّاً وهشَّاً ومبنيَّاً على الرمال من البداية فإنه سينهار بالتالي وإن بلغ الثُريَّا في عُلُوِّه .
والسبب هو إن [ ألف ] – على سبيل المثال – يجهل الوعي بقضيته أو تجاهله ، أو لديه وعيٌ ناقصٌ ومُشوَّهٌ ومُبتسرٌ بمشكلته وقضيته ، مضافاً إنه يجهل العوامل والمعادلات والأسباب التي تهديه وتأخذ الى النصر والفوز نحو الهدف والمقصد الذي يصبو اليه ، وبما يسعى الى تحقيقه . لذلك من الطبيعي جداً ، ومن المنطقي جداً أن يتعثَّر في حركته ومسعاه ، بل إن السقوط والفشل سيكون ملاحقاً له ، وستكون الأضرار والخسائر والضرائب باهضة جداً كذلك .
بالعودة الى عنوان هذا المقال نتسائل ؛
أولاً ، هل حقاً لدينا ، أو كان لدينا وعياً مستنيراً وعميقاً بقضية كردستان على الصعيدين الإقليمي والدولي ، بخاصة منذ إنهيار الدولة العثمانية التركية وقيام النظام العالمي الجديد على أنقاضها خلال وبعد الحرب العالمية الأولى [ 1914 – 1918 ] من القرن العشرين المنصرم ..؟
ثانياً ، هل نحن كنا ومازلنا على معرفة ودراية تامة بالمعادلات والعوامل والأسباب التي تُسرِّعُ في حلِّ قضية كردستان لصالح الشعب الكردستاني ..؟
ثالثاً ، هل نحن على علم ودراية بالسياسة الدولية وموقفها تجاه قضية كردستان ..؟
رابعاً وأخيراً ، هل لنا دراسات وأبحاث مقارنة علمية ومعلوماتية وتحليلية دقيقة عن كردستان مع الدول المحيطة بها إقتصادياً وعسكرياً وتسليحياً وصناعياً وإعلامياً وثقافياً ودولياً وإقليمياً وغيره من النواحي اللازمة ..؟
قبل المحاولة في الأجابة على التساؤلات المذكورة من الضروري ، بل من اللازم جداً التطرق قليلاً الى موضوع هام ، وهو إن قضية مُعقَّدة وشائكة من جميع أطرافها ونواحيها كقضية كردستان لا يُمكن أبداً أن تفوز وتنتصر وتنعم بساحل الإستقرار والأمان والثَبات والتطور الإجتماعي والثقافي والإقتصادي بالحماس لها والشعارات البرَّاقة والفضفاضة ، أو بالأحاسيس والعواطف وردود الأفعال وحسب .
فبحسب دراستي ومتابعتي لتأريخ الحركات والثورات والإنتفاضات والقيادات الكردية في شتى أجزاء كردستان إستنتجتُ ، هي على الغالب الأعم كانت ومازالت تُعاني من الحالات التي أشرنا اليها تَوَّاً . هذا بالإضافة الى شملها التساؤلات الأربعة المطروحة أعلاه ، بالرغم من النضالات الكبيرة والتضحيات الجبارة التي قدمها الشعب الكردي في نضاله التاريخي المرير في مختلف أجزاء كردستان ، وما رافقتها أيضاً من معاناة وكوارث عظيمة قلَّ مثيلها في التاريخ البشري . والسبب الأساسي – كما أعتقد – هو إنتفاء العوامل والأسباب المؤدية الى الوعي والمعرفة بالقضية ، وهذه بدورها ، إن تمَّ ستُمهِّد الطريق الى الفوز كنتيجة طبيعية ومنطقية . عليه فإنها كانت ومازالت تُكرِّر التكرار كثيراً وتدور في حلقة مفرغة دائرية الشكل والحجم ، وبدون جدى ، هذا بآستثناء الخسائر البشرية والمعنوية والنفسية والمادية الكبرى التي لحقت بالكرد وكردستان .
الأمر الآخر الهام كثيراً هو إن تقادم الزمن على قضية كردستان دون حلٍّ له أعظم الأضرار وأكبر السلبيات عليها من الناحيتين الجغرافية والسكانية ، حيث تقادم الزمن أدى الى تقلُّص مساحات جغرافية لكردستان ، وهذا التقلُّص بدوه أدَّى ، أو يُؤدِّي الى إنحسار الكثافة السكانية للكرد في المدن والمناطق الكردستانية في أجزاء كردستان ، ويمكننا ملاحظة ذلك في محافظات كركوك والموصل وديالى في إقليم كردستان العراق ، وفي محافظتي أروميه وكرمانشاه في كردستان ايران ، وهكذا الأمر بالنسبة لكردستان تركيا وسوريا . وذلك بسبب سياسات التعريب والتتريك والتفريس والتطهير العرقي ، مضافاً الى عامل التشييع المذهبي – الديني الذي بدأ منذ عام 1979 من القرن الماضي بعد إنتصار الثورة الإيرانية وآستقرار الجمهورية الإسلامية في ايران . علاوة على ما ورد هناك مدن ومناطق من كردستان أصبحت كدولة كردستان المُفترضة ضمن السياسة الدولية وصلاحيتها ، مثل محافظة كركوك ، أو مناطق أخرى من شُبْهِ المستحيل إعادتها الى الجغرافيا الكردستانية ! .
تأسيساً على ما ورد إن كاتب هذا المقال يشك في وجود الوعي العميق للقضية الكردية إقليمياً ودولياً خلال وبعد الحرب العالمية الأولى لدى الحركات الكردية ، حيث آستقرار النظام العالمي الجديد بعد سقوط الدولة العثمانية . كما يبدو ، ووفق رؤيتي إن الحركات الكردية غلبت عليها طابع الإنفعال وردود الأفعال والعواطف والحماس القومي ، وذلك بدلاً من المحاولة للمعرفة الدقيقة والعميقة لقضية كردستان وواقعها والمجتمع الكردستاني ونسيجه الإجتماعي .
أما على الصعيد الإقليمي والدولي كأننا نشاهد إنتفاء المعرفة لمعنى ومغزى تقسيم كردستان على البلدان المجاورة لها والغاية منه من قِبَل السياسة الدولية والنظام العالمي الجديد يومذاك ، فالسياسة الدولية للدول العظمى العالمية حينها أقامت الحظر الرسمي على عدم قيام دولة كردستان . للعلم إن الحظر الدولي الرسمي المذكور على عدم قيام دولة كردستان مازال قائماً الى يومها هذا . وذلك رغم قيام النظام العالمي الجديد الثاني بعد الحرب العالمية الثانية [ 1939 – 1945 ] ، والنظام العالمي الجديد الثالث عقب إنهيار الإتحاد السوفيتي عام [ 1989 ] من القرن الماضي . هكذا بالرغم من التطورات الكبيرة والكثيرة التي حصلت وطرأت على السياسة الدولية في عام [ 2001 ] بعدهجوم منظمة القاعدة على برجي التجارة والبنتاغون في الولايات المتحدة الأمريكية . لذا رغم كل تلكم النظم العالمية الجديدة والتغيرات في السياسة الدولية فإن قرارها الرسمي في الحظر الدولي على عدم قيام دولة كردستان مازال ساري المفعول ، ولم يتغير ! .
فهل الحركات الكردية سألت نفسها يوماً ؛ هل بالإمكان تحقيق النصر في نضالها ، وهي محاصرة من جهاتها الأربعة ، وما هو موقف السياسة الدولية إزاء قضية كردستان ، وهل إنها – أي السياسة الدولية للدول العظمى في العالم – تعترف ببقعة جغرافية بآسم كردستان ، وما هو موقع الدول المحيطة بكردستان إحاطة السِوار بالمعصم وكردستان في السياسة الدولية ، وهل بمقدورها تغيير الحدود الدولية لبلدان الشرق الأوسط التي رسمتها السياسة الدولية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى ، والتي هي مازالت قائمة وثابتة حتى اليوم ، وهل إن اللعب على التناقضات الموجودة بين الدول المحيطة بكردستان فيما بينها سيؤدي الى الفوز بالنهاية ..؟