البارحة كنت أتأمل فريق عملي وقد إرتدى معظمهم قمصانا تحمل أرقام لاعبي الفووت بوول , وأصغي لأحاديثهم التي تدور حول اللعبة , وحضرتني فكرة الكتابة عن أحاديثنا وأحاديثهم.
وأنا أتأملهم سألني أحدهم عن شغفي بالفووت بوول , وهل شاهدت لعبة الأمس , وما هو لاعبي المفضل , وأبديت بعض الإهتمام ,
لكنه سألني: هل هي حقا لعبتك المفضلة؟
فقلت: لعبتي المفضلة هي الألم بوول!
فسألني: وما هذه اللعبة ؟
قلت: إنها لعبتنا التي نلعبها منذ آلاف السنين , وبكرةٍ منفوخة , بلعنةِ أكدْ , وأخواتها المتراكمات المتضاعفات في متوالية جراحٍ هندسية متقيحة!
قال: لا أفهم؟
قلت: إنها لعبة يتكون فريقها من الذين يجلسون على الكراسي , وساحتها البشر المُبتلى بهم!
قال: وهل هي لعبة حقا , أم نوع من المبارزة العنيفة؟
قلت: إنها كل ذلك وأكثر!
وألح بأسئلته , لأنه حسبني أتكلم بجد , لكنني ختمت حديثنا بدعابة , لأستدرك بأني كنت أمزح معه!
وفي هذا الصباح كنت في حديث مع أحد الزملاء حول , حوارات الأطباء , وإنتهينا إلى أننا نتحدث بمفردات الألم , ولا فرق بيننا لأننا شعب موجوع ومجروح!
وبعد الظهيرة , إقتربت من الإنترنيت , وإذا بإحدى قريباتي في العراق تتصل , فتكلمت قليلا معها , وسألتها عن سر الهرج والفرح الصاخب الذي أسمعه في البيت ,
فقالت: إنها كرة القدم , الفريق العراقي يلعب , وكلنا مندمجين مع الفريق , الأولاد والبنات في غاية البهجة والسرور!
فقلت لها: الله يبعدهم عن كرة الألم!
لم تفهم ما أقصد , لكنني أضفت , يا ليتهم يفرحون كل يوم !
فقالت: يا ريت, الله ينطيه للفريق العراقي خلانه نفرح!
وبعد أن إنتهيت من محادثتي معها , قلت : لعنة الله على كرة الألم بفُرَقِها ولاعِبيها , بجميع ألوانهم وعناوينهم وأوصافهم , هؤلاء الذين ما عرفوا أبدا , معنى الخطوات المفرحة المُبهجة السعيدة , فوجوههم معبّسة مقطبة تقدح شرا وعدوانا , وما عهدنا فيهم الإبتسامة والنظرات السارة المطمئنة الآمنة.
وما ينطقون إلا بمفردات الكراهية والبغضاء والشحناء والإزدراء.
فالدنيا تبتهج , وتتبارى وتتألق في أروقة الحياة , وفرق كرة الألم , منهمكة بسفك الدماء , والصراعات المريضة , والضربات الشرسة , التي مزقت شِباك وجودنا , وأحرزت أهدافها القاتلة في عقولنا ونفوسنا وأرواحنا , وطموحاتنا وآمالنا , وغرزت خناجر ضراوتها السيئة في قلوبنا.
فمتى ستتوقف فرق كرة الألم عن اللعب في مياديننا , وسوح حاضرنا ومستقبلنا؟
نريد كرة القدم ونعشقها , ونحب أبطالها ونجومها , فدعونا نذوب جميعا في بودقة ملاعب كرة القدم التي تجمعنا , وتسقينا قطر المحبة والبهجة والأخوة والصفاء , وابعدوا عنا كرة الألم بلاعبيها وملاعبها وميادينها الملعونة المشؤومة , التي أوردتنا معاقل التمزق والتشرد والإحتراق , حتى اختنقنا بكل ما فينا من دواعي التألق والرقاء.
فأهلا بكرة القدم التي تسعدنا , وبُعدا لكرة الألم التي تسحقنا , وتفترس معاني وجودنا العراقي الأصيل.
فتعالوا يا أحبتي إلى ملاعب كرة القدم ولنهتف سوية بحب بلادنا , ومجد تلاحمنا وتعانقنا الإنساني , المنتصر على كل الذين يريدون أن يجعلوا أيامنا ملاعبَ لكرةِ الألم , التي يمارسون فيها لعبة الإفتراس الحضاري القاسي المشين.
وتذكرت “الحلاقُ الثَرثار” في قراءة الصف الثاني الإبتدائي , وهو يلعن السياسة والسياسيين , ومَن تبعهم بمشؤومٍ إلى يوم الدين.
فتحية لكرة القدم العراقية المتألقة , التي أعادت تنظيم دقات أفئدتنا على إيقاع حب العراق!
يا ملاعبْ , أهتفي هيّا , وغنّي , يا عراق
إننا شعبٌ أصيلٌ , وبنا يحيا العراق!!