22 ديسمبر، 2024 9:43 م

لا شيء في حياتي سوى كربلاء والفقراء وأنتِ..

في الصفحة الثانية كُتب:
آسف.. لم تعد باستطاعة أمي أن تحضر زفافي يا سكينة..

: هل تعرفت عليه؟ أجبت صديقي جعفر: ما زلتُ أبحث في دفتر مذكراته، ولا أدري كيف تبدلت حقيبتي، وهذا يعني أن صاحب الحقيبة مقاتلٌ معنا، وربما اختلفت سريته عني فجأة عثرتُ في دفتر مذكراته عن شيء أدهشني، فصرخت: جعفر اِقرأ معي:

كانت ألمانيا بالنسبة لي هي الوطن والحامية التي لذت بها بحثاً عن الشبع والامن والعافية، وكانت هي الملاذ، أما اليوم بعد نداء المرجعية الرشيدة، عدتُ لا أطيق حياة الغربة، فلا بد لي أن أعود الى بلدي وناسي واهلي.. لقد سمعتُ بكاء الأرصفة، وعرفتُ حزن الأمهات لذلك عدتُ..

وفي صفحة أخرى قرأت: ذات يوم سألت أمي: ماما.. لماذا يخرجون الجنائز من المخيم الحسيني؟ أجابت: تبركاً بأهل الحسين (عليه السلام)، وإن عشت إن شاء الله سأجعل زفافك من هنا.

ملاحظة (1)

ماتت أمي (رحمها الله)، لكن ابنة عمي سكينة مصرّة على تنفيذ رغبتها، وأن تكون زفة عرسنا في المخيم الحسيني.

ملاحظة (2)

تشظى المخيم الحسيني المبارك الى خيم مقاتلة تملأ الجبهات لصد داعش..

يسألني جعفر: إذا رأيت حقيبتك هل تعرفها؟

قلت: نعم، ولو وضعوها وسط ألف حقيبة، حينها ضحك صاحبي وقال: أنت فقدتها وهي بجنب واحدة، لكنك كنت محظوظاً بأن تتعرف على مثل هذا الإنسان.

شاب عراقي صاحب غيرة في زمن هج الشباب بحثاً عن لجوء في ألمانيا، هو يتركها ويجيء الى السواتر ليدافع عن بلده العراق.

قلتُ: لقد كتب في إحدى صفحات المذكرة: امي تركت المانيا وجئت للتقى.. للقتال.. لموضع يقربني الى روح الكون كربلاء.. كيف لي أن أسكن الاقاصي، وهناك من يهدد بقتل الحسين (عليه السلام) ثانية.. لا يمكن أن نسمح لخيول داعش أن تدوس أضلاع سيد العراق.

سكينة… كيف سننعم بزواجنا وعلى مقربة من الخيام حرملة يترصد أوردة أطفالنا.. تارة يمرق من جرف الصخر، وأخرى من النخيب.

صرت أقرأ كل صفحة عشرات المرات، وأتلو كلماتها على أصوات القذائف وبوجه البارود ودخانه الأعمى، حتى صرت أسير تلك المذكرات أتابعها حرفاً حرفاً..

أقرأ: الغربة ضياع، ودونك يا وطني انا غريب، وانت دون نداء سيد عراقيته لكانت هباء تتقاسمك الجهات.. كم ستفرح امي (رحمها الله) لو عرفت اني عدت الى بلدي كي ابعد عنها الردى.. انها بدر الكبرى يا أمي.. عادت على أطراف البلاد، ولهذا قررت أن لا يفوتني الحضور، خضنا المعارك دون خسائر، وكل التضحيات سبيل فوز عظيم.

صار الجميع هنا في المعسكر يسألني عن أخبار دفتر المذكرات، عن هذا الانين العارم بين السطور..

أقرأ: أمي سأحقق حلمك القديم، وأزف من المخيم الحسيني إما شهيداً أو (عريساً).

وعند نهاية المذكرات وجدت رقم موبايل، فرحت به كثيراً، وكلما اتصل لم أجد من يجيبني، وبالأمس وصلتني رسالة:

سلامٌ عليكم, إذا كنت صاحب الحقيبة، فقد تركناها لك وديعة في امانات المخيم الحسيني، لقد استشهد علاء وترك حقيبته هدية، وهدية الشهداء لا تهدى ولاتباع.