18 ديسمبر، 2024 4:15 م

كربلاء برؤية جديدة / ح 4

كربلاء برؤية جديدة / ح 4

من كتب التاريخ
أسماءهم وترجمة حياتهم ….هذه النقطة مهمة جدا , فمن كتب التاريخ , وما هي الجهات التي رعت الكتابة , وأنا اعني الكتب الرئيسة التي اعتمدها جميع الكتاب , لان التاريخ لا يكتب إلا بوثائق , باعتبارها هي المصدر , وبذلك تكون الكتب وكتابها هم الأساس في تاريخ الإسلام , وهم من حددوا الاتجاهات .التاريخ الذي نعنيه , هو المصدر الأساس لبحثنا ولعقيدتنا , ينقسم إلى قسمين :..

الأول : تاريخ الرسول {ص} والرسالة ونزول الوحي والتبليغ , ثم الهجرة وتأسيس الدولة الإسلامية, والحروب التي قامت والذين شاركوا فيها … يضاف لها تاريخ التشريع ونزول القران الكريم على نبينا محمد {ص} والأحكام الشرعية التي تتعلق بتنظيم الفرد والعائلة والمجتمع ..

الثاني : ما بعد وفاة الرسول {ص} مرورا بالخلفاء الراشدين , لحين وفاة المؤرخ , ومن يأتي بعده يأخذ منه حتما ويكمل كتابة بقية التاريخ ، وهذا يظهر في تاريخنا من اختلاف الثقافات والانتماءات بشكل واضح .وابرز من كتب التاريخ الإسلامي من الطبقة الأولى التأسيسية هم ..

1- عروة بن الزبير بن العوام:… { توفي سنة 93 هـ } وهذا يعني انه عاش في عصر الدولة الأموية , وهو من فقهاء المدينة المنورة , كان في بداية حياته مؤيدا لأخيه عبد الله بن الزبير , وبعد انهيار دولة الزبيريين وقتل أخيه عبد الله ,اعتزل الحياة السياسية وتوجه نحو العلوم الشرعية وأصبح من فقهاء الأمويين في المدينة بحكم انه كان يأخذ من خالته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر , وهو من روج الأحاديث عن خالته أم المؤمنين , ولم يسبقه احد في هذا المضمار , واعتبروه أهم مصدر ومؤرخ عند المسلمين . حدث عن أبيه بشيء يسير لصغره ، وعن أمه أسماء بنت أبي بكر ، وعن خالته أم المؤمنين عائشة ، ولازمها وتاثر بها..

يُروى عن الزُّهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، قال : كنا في خلافة معاوية ، نجتمع في حلقة بالمسجد ، أنا ومصعب وعروة ابنا الزبير ، وجماعة من التابعين. فكنت أجالس زيد بن ثابت وهو مُتَرأِس القضاء بالمدينة والفتوى ، والقراءة ، والفرائض ، في عهد عمر ، وعثمان ، وعلي ، ثم كنت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن نجالس أبا هريرة ، وكان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة .
فقد تفقه على يد خالته السيدة عائشة أم المؤمنين، روى الحديث ويعتبر أحد الفقهاء السبعة في عصره. عاش فترة من حياته في البصرة ومصر وتوفي في المدينة المنورة. كتب عنه : ابن حجر في البداية والنهاية . في ترجمة عروة بن الزبير .. ,كان عروة واسع المعرفة، محيطا بالسير والمغازى،حتى إنه أول من ألف في هذا الفن، إلا أن ما كتبه في فن المغزى والسير لم يصل إلينا. ..!!!
ويبدو أنه من بين الكتب التي أحرقها، ثم ندم عليها فيما بعد، وكان قادة عصره يعرفون عنه إلمامه بالسير والمغازى، فكانوا يبعثون إليه من وقت لآخر يسألونه عن أمر من الأمور التي تعرض لهم، ويريدون أن يعرفوا وجه الحق فيها، وكان عبد الملك بن مروان يكتب لعروة من وقت لآخر يستوضحه عن الأمر من السيرة، وعلى الرغم من ضياع كتب المغازى . ضاع أو أحرق من كتبه، فإن قراءة كتب التاريخ بإمعان يمكن للباحث من خلال الإمعان فيها أن يستخلص رواية كاملة للسير والمغازى جاءت عن طريق عروة، ..

{هذا يبين أن المراسلات التي كانت تتم بين عروة وبين عبد الملك بن مروان ومن بعده , اعتمدت أساسا في تثبيت التاريخ الإسلامي .. علما إن الإمام محمد الباقر “ع” كان موجودا ,تم إرسال بعض الأسئلة التي لم تتمكن الدولة الأموية من معرفتها والخروج من مأزقها , فاستعانت بالإمام الباقر{ع} وتم الاجابه عليها من قبل الإمام {ع}(إلا أنها لم تعتمد في التاريخ الإسلامي للمذاهب الإسلامية} ..وقضية سك النقود في الإسلام معروفة وأراد عروة أن يشترك في حرب الجمل ضد الامام علي{ع} ولكنهم أرجعوه لصغر سنه ….
2- أبان بن عثمان بن عفان:.أبان بن عثمان بن عفان الأموي, كان من فقهاء التابعين, أول من كتب في السيرة النبوية. وهو(أول مؤرخ في الإسلام)عاصر الخلفاء الأمويين وهو ينتسب للعائلة التي حكمت تلك الفترة … تولى إمارة المدينة المنورة لعبد الملك بن مروان سنة 76هـ وهو مقرباً من الخلفاء الأمويين كونه ابن عثمان بن عفان .. كانت فترة إمارته فترة نشاط علمي وكتابة ، وكان يجتمع في مجلسه العلماء والمحدثون والظرفاء،روي عنه أنه كان يحب الدعابة والمرح . فكان يكثر في مجلسه المتحدثون ووعاظ السلاطين , وممن يعرفون استغلال الوقت للأغراض الشخصية , ولم يعرف التاريخ أين كان أولئك الذين يأخذ عنهم أبان بن عثمان ..عزل عن ولاية المدينة سنة 83 هـ، وولي مكانه{خال الخليفة} ، فعاش بقية حياته في المدينة بعيداً عن الإدارة والسياسة، وتعرض للأمراض..أصيب بالصمم , وأصيب بالفالج .. توفي سنة 105هـ ….لما قدم أبان مكة تنازع مع واليها الحارث بن خالد المخزومي على إمارة الحج فمال الناس إلى أبان، فحج بهم.
ولم يكن لأبان خطر سياسي وإنما اشتهر برواية الحديث، ، روى عن أبيه وغيره، وهو أول من دوّن ما سمع من أخبار السيرة النبوية والمغازي ودفعها إلى سليمان بن عبد الملك في حج سنة 82هـ … فأتلفها سليمان ,وفي أواخر حياته أصيب بالفالج والصمم، فكان يؤتى به إلى المسجد محمولاً .

يتبين من النص الذي ذكره الذهبي أن ما يكتبه المؤرخ يسلم إلى الأمير والحاشية لمراجعته . ومن الأمور المهمة التي كتبت في التاريخ ” أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن الزبير بن خالد قال : قلت لأبان بن عثمان بن عفان : ما شأنـها كتبت {لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}(النساء/162) ، ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب ؟! قال : إن الكاتب لما كتب {لَكِنْ الرَّاسِخُونَ} حتى إذا بلغ قال : ما أكتب ؟ قيل له : أكتب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ) فـكتب مـا قيل لـه “.. وفي تاريخ المدينة للنميري : ” حدثنا عمرو بن عاصم قال ، حدثنا حماد بن سلمه ، عن الزبير أن خاله قال ، قلت لأبان بن عثمان وكان ممن حضر كتابة المصحف:كيف كتبتم{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} ؟! فقال : كان الكاتب يكتب والمملي يملي ، فقال : أكتب . قال : ما أكتب . قال : أكتب (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) ” هذا يعني إن كتابة التاريخ عند أبان كان فيها خلل كبير وهذا يؤدي إلى تغيير المعنى والغايات والأفكار .. والسبب هو سهو المملي والخلل الذي يقع به الكاتب نحويا بسبب عمى العالم وعدم رؤيته لما يكتب .. وهذا الذي أوقع الأمة وتاريخها في مطبات كبيرة ..
الى حلقة قادمة
الشيخ عبد الحافظ البغدادي

[1] – قصة معروفة عن عبد الملك بن مروان حين ضاقت به السبل في معرفة كيفية سك العملة الإسلامية ولم يتمكن مع جميع معاونيه القيام بهذه المهمة فبعث للإمام الباقر {ع} وأجابه على سؤاله ..المحاسن والمساويْ ج2 ص 232 طبع القاهرة

[2] – سير أعلام النبلاء ج4 ص 421

[3] – ابن كثير البداية والنهاية – ترجمة أبان بن عثمان …. الذهبي . سير أعلام النبلاء – أبان بن عثمان

[4] ) الدر المنثور ج2 ص246 ، وجاء السند في تفسير الطبري ج6ص34 بـهذا الشكل ( حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن الزبير ، قال : قلت لأبان بن عثمان بن عفان …) ورجاله ثقات ، والزبير أبو خالد وثقه ابن حبان وما تكلم فيه أحد ، ويجب تتبع إسناد كل المصادر حتى يمكن الجزم بضعف السند وبعضها غير متوفر لدي .

[5] – ) تاريخ المدينة لابن شبة النميري ج3ص1013