كيف كتب المؤرخون التاريخ
ينقسم التاريخ إلى قسمين .. الأول كلمة تاريخ هي الحوادث التي وقعت في أيام سالفة , سواء على مستوى القول والكلمة , أو مستوى الفعل والموقف , أما حساب الأيام وما نتقيد به الآن في تحديد اليوم ورقمه وأسبوعه وشهره وسنته , هذا يسمى ” تقويم “. وهاتان الكلمتان تعتبران تاريخا لأي جهة يراد توثيق مواقفها وأقوالها وأفعالها ( [1]) وتم استغلال الأخبار والتدوين كوسيلة سياسية وعلمية في توثيق العلوم البسيطة في حينها , كعلم الأنساب والحروب والانتصارات أولا , فسميت تاريخا , وبدأت عملية توثيق الأخبار والأقوال .. وهذه العملية لا تخلوا من تشويه ورغبات وولاءات لجهة على أخرى ..
وسأورد بعض الأمثلة من كتب الجمهور فقط دون الشيعة , لكتاب كتبوا التاريخ العربي والإسلامي , وعليهم إشارات قوية من مؤرخين عاصروهم أو جاءوا بعدهم واليك الأمثلة :…
ابن إسحاق بما تقيد به ثقات المحدثين في التدوين ولكنه سار في تاريخه منحى وهب بن منبه في تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: { باعتبار وهب بن منبه كان يهوديا , فكتب بداية الخلق حسب مفهوم اليهود في تلك القضية وادخلها في الفكر الإسلامي ..!!! فكانت كتاباته متأخرة عن حياة الرسول{ص} ..
كتب عن بدء الخليفة، ومبعث يختص بحياة الرسول{ص} ,حتى السنة الأولى من الهجرة، ثم كتب تاريخ الدولة الإسلامية وما حققه النبي {ص} وأصحابه في حربهم وسلمهم . وانفرد عن سابقيه عروة بن الزبير وإبان بن عثمان , بجمع الحوادث وترتيبها وتبويبها في مصنفه، .. إلى هنا …
يأتي كاتب آخر يقول عنه : أخذ عليه أنه شحن تاريخه بشعر منحول.. انتقده ابن سلام الجمحي، صاحب طبقات فحول الشعراء، وأن له أخطاء في الأنساب، إضافة إلى كثرة ( النقل عن أهل الكتاب)، الذين يسميهم أهل العلم الأول، وأنه مالأ الخليفة المنصور في أخبار تتعلق بالعباس بن عبد المطلب .وهذا يعني انه كان يكتب للخلفاء وتاريخه مملوء بالإسرائيليات … اعتمد تاريخه ابن هشام في سيرته , فانتقلت الإسرائيليات كالفيروس عن طريق الكتب التاريخية بين المسلمين … ثم أخذها الواقدي من بعده , فبدأت مرحلة جديدة متميزة في التدوين التاريخي العربي بنكهة غريبة عن تاريخهم وفكرهم الحقيقي .!
الخلاف بين المؤرخين كبير جدا .. مثلا :.الواقدي واسع العلم بالمغازي والسير والتاريخ، ولعله يتفوق على ابن إسحاق بدقة في المادة والأسلوب وبالربط بين المادة التاريخية وإطارها البلداني حين يكتب عن بعض البلدان ، غير أن ابن إسحاق يبزّه في الموضوعات الجاهلية يقول :{ ادخل الجاهلية في التاريخ الإسلامي والعربي …!! } وهذه مصيبة كبرى في تاريخ مملوء بالإسرائيليات وأخبار الجاهلية ..!
وإذا كان القرآن الكريم هو المصدر الأول لدراسة التاريخ يليه الحديث، وكانت بداية التأليف وثيقة الصلة بهذين المصدرين، فإن الحركة التاريخية التي نشأت في المدينة قد اعتمدت على الرواية الشفوية كرواة الحديث. { يقول رسول الله “ص” ستكثر علي الكذابة .. والخبر التاريخي أساسه السماع من الموثوق بهم من الحفاظ،..! وهذه هي طريقة الإسناد، وكل جيل يستمد من الذي قبله. والأسانيد أصبحت مبالغة عند الباحثين تاريخياً، ومنهم من يراها مبالغة محمودة للتأكيد على صحة روايته .. بينما هي شفوية ..!!
يتبين من النصوص التي ذكرتها أعلاه إن الوثوق بالتاريخ مسالة غاية في الصعوبة , بل هي جولة في فكر المؤرخ والجهة التي تدعمه ماليا ووظيفيا , ثم يأتي مؤرخ آخر يعمل لجهة حكومية أخرى فيقدح بالكاتب الذي قبله ويظهر عيوبه أمام القراء كما ذكرنا أعلاه ….
يتبين من هذا النص إن تزوير التاريخ الحسيني مسالة عادية جدا لدى المؤرخين والمحدثين , ولا حرج لو كتبوا أن الشيعة قتلوا الحسين {ع} وان أهل الكوفة كلهم من شيعة علي بن أبي طالب {ع} {{ وسنأتي على تكذيب هذا الادعاء}} ..
وقد نجح المؤرخون في تضييق الثورة الحسينية ,وحصرها في كربلاء فقط , وليوم واحد , هو يوم عاشوراء عام 61 هجرية فقط … وضيقوا المساحة التي امتدت فيها المعارك الحسينية من البصرة إلى الكوفة إلى القادسية ( [2]) … وعدد الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن ثورة الحسين بن علي {ع} من المدن العراقية المذكورة .. وتشويه بعض الشخصيات التي قدمت أرواحها فداء لأبي عبد الله {ع} كمسلم بن عقيل وزهير بن القين , والحر بن يزيد الرياحي , وآخرون ..
ولو تقصينا التاريخ بصورة دقيقة لوجدنا آفات إنسانية وماسي وقعت على المسلمين من هؤلاء الكتاب الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخص للطغاة والظلمة .هولاء كانوا يأخذون من أفواه المحدثين لا غير في زمن الاموين , ويكتبونها في كتبهم , فسميت تاريخ الاسم والمسلمين , واليك أمثلة منها ..
يقول الواقدي : احد المحدثين اسمه عبيد بن شريه الجرهمي : أصبح هذا الرجل منبع التاريخ , وما يخرج من فمه هو حقيقة الإسلام وهو التاريخ الصادق على نقل جميع ما يُحدث به … يقول الواقدي عنه … أن وهب بن منبه يدرج في طبقة من طبقات مدرسة المدينة التاريخية عند الباحثين، واعتمد عليه كثير من القدماء أشهرهم ابن إسحاق، فإن هناك من يدرجه في سلسلة {عبيد بن شريَّة كتصنيف موضوعي لاهتمامات إخبارية بعينها} . وكتابه التيجان يعالج موضوعات ابن شريَّة الثلاث: بداية عمران العالم، والعربية البائدة، وملوك اليمن من لدن يعرب بن قحطان، مع زيادة في الإسرائيليات وأخبار الجزيرة…!!! والإسرائيليات روايات شعبية في أغلبها، كان ابن شريَّة يحدث بها في عهد معاوية كما تحدث كعب الأحبار من قبل , وهو يهودي أصبح فقيه المدينة ومحدثها ..! نبغ في اختلاق القصص الأسطورية والشعر المنحول على لسان عاد وثمود .. هذا أصبح من المصادر الأولية للباحثين في التاريخ اليمني } …!! . قال الزركلي: إن كرنكو، المستشرق الألماني، كتب له إنه لم يكن في يوم من الأيام هناك شخص اسمه عبيد بن شريَّة، بمعنى أنه هو وأقاصيصه المتأثرة بالإسرائيليات من اختراع القصاصين على حد رأيه… شي لا يعقل …!! لان الكاتب المستشرق الألماني يقول ان عبيد بن شريه هو اسم وهمي ولا حقيقة له , بل الكاتب بهذا الاسم هو وهب بن منبه ..!!! وكل ما يكتبه يرميه على اسم نكره كي لا يقع في الملامة لو وجد لائمون ..!
وقد نسب إليه بداية ، ذات اتجاه نحو الحياة الجاهلية وتمجيدها مع اختراعات كثيرة نمت بمرور الزمن وبجهد من أتى بعده { أي تحولت تلك القصص الجاهلية إلى فكر ونمت وترعرعت بسبب إدخالها التاريخ الإسلامي فأصبحت من أساسياته } ، أما التيجان فقد نقله الهَمْداني، صاحب الإكليل، والهَمْداني (ت 334هـ) عالم في اللغة والرياضيات والشعر والأنساب، أفاد البلدانيون، كالبكري وياقوت الحموي ، من كتابه صفة جزيرة العرب. وتضمن الجزء الثاني من إكليله أحاديث عن آثار اليمن وكنوزها وملوكها، مع إشارة إلى بعض ملاحيات وغواني عرب الجنوب ومضر في عهد بني أمية، أما الجزء الأول فاحتوى على قصيدة لنشوان الحمْيري…ولم يسلم الإكليل من حشد من الأخبار الأسطورية، وتميزت روح صاحبه بالمباهاة والمفاخرة في نسب اليمن وسلطانها قبل الإسلام. وألمح بعض الباحثين إلى أن يكون ذلك من رد الفعل على مجد النزارية في الإسلام وقريش على وجه الخصوص ..( [3] ) .
[1] – التقويم أقدم من التاريخ .. لان الأمم والشعوب قومت أيام السنة حسب مصالحها في الزراعة والرعي حين أسست تقويما حسب حركة الشمس فسمي التقويم الشمسي , أو حسب حركة القمر , فسمي التقويم القمري, وجرت مصالح الناس على هذه التقويمات ثم دخلت السياسة والملوك على التقويم وحددوا أسماء لحوادث وقعت في فصول خاصة , فسميت تاريخ ..
[2]- القادسية هي محافظة الديوانية حاليا في الفرات الأوسط العراقي , وقعت فيها معركة القادسية زمن الخليفة عمر بن جيوش المسلمين , وبين الفرس المجوس عام 17 هجرية .. كانت تسمى القادسية , وبسبب احد شيوخ الخزاعل الذي كان له ديوانا يقريْ الضيف ويقضي حاجة الناس ويكرم الفقراء والمحتاجين , سميت المدينة باسم ذلك الديوان .. الديوانية .
[3] – سالم محل، المنظور التاريخي