23 ديسمبر، 2024 2:09 ص

كربلاء أخطر منعطف تأريخي

كربلاء أخطر منعطف تأريخي

قال الحسين عليه السلام, مناديا جيش يزيد:” ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم, إن كنتم عرباً كما تزعمون”.
جاء في تعريف كلمة منعطف, “أنها انحناء أو ثني او التواء”, حسب موقع تلك الكلمة ونوع الحدث, وفي كربلاء انعطف التاريخ الإنساني, انعطافه هي من أخطر الانعطافات, في تأريخ الإسلام, فقد كان نداء الجيش الأموي, “أن اقتلوا أهل هذا البيت, ولا تُبقوا لهم من باقية”.
كانت الوصايا للجيوش الإسلامية, منذ أوائل حروب العصر الإسلامي, أن لا يُجهَزَ على جريح, ولا يُرَوَّعَ شَيخٌ أو امرأة, ولا يُقتَل طِفل, كما كان من أصول القتال, أن يقابِلَ الفارس المُبارز فارسٌ, ولم يكن الغدر, من أخلاق فرسان الإسلام, إلا أنَّ واقعة كربلاء, كانت فاقدة لكل أصول الحروب, إضافة للمبادئ الإسلامية والإنسانية, فبقت تلك المعركة خالدة, رغم مرور كل تلك القرون.
واقعة كربلاء كان مخططاً لها, حسب التحضيرات المسبقة, ان لا تبقي ولا تذر, لآل بيت النبوة, أحَدٌ على وجه الأرض, فهي إبادة جماعية, بكل ما تحمله الكلمة من معنى, فقوام الجيش الأموي, حسب أقل الروايات 14000مقاتل, يملكون مقومات جيش دولة, يقابلها 73 مقاتل مع الحسين عليه السلام, بأسلحة شخصية لا تتعدى, السيف والرمح وقوس السهام, وقد مُنعوا عن الماء, مما جعل الحليب, يجف في صدور النساء المُرضعات, في أقسى حصارٍ تأريخي.
كانت معركة الطف, حسب المقاييس العسكرية, غير متكافئة عدة وعدداً, مع عزلة عن العالم, حيث حوصِر الحسين عليه السلام وعياله, مع القلة من أنصاره, بذلك الجيش الرهيب, إلا أن خروج الحسين الى العراق, الذي وصفه عليه السلام, أنه خروجٌ لإصلاحِ ما فسد, من أمور الأمة, فهو لم يخرج أشراً ولا بطراً, بل خرج لآجل هدفٍ, من أسمى الأهداف, وهو إصلاح تلك المنعطفة الفاسدة, التي أحدثها بنو أمية.
لم يكن استشهاد الحسين عليه السلام, مفاجئاٍ بالنسبة له, ولا لمن رافقه, من أهل بيته, فقد أُخبر عن مصيره, في إحدى خُطبه, أنه قال:” شاء الله أن يراني قتيلاً, ويراهن سبايا”, وفي قول آخر له عليه السلام:” خير مصرع لي أنا لاقيه”, وقد أخبر أصحابه مراراً, بين البقاء والاستشهاد معه, أو الابتعاد عن أرض المعركة.
وما أشبه ما يمر به العراق, من ساسة فاسدين, سيطروا على مفاصل مهمة بالدولة, ما سمح لتغلغل من يحمل الفِكر الظلامي؛ المتشعب من الفِكر الأموي, في قتل المصلحين, ومن ينادي بالإصلاح, إضافة لباقي الممارسات, التي تطال المعارضين للفساد والإرهاب.
لا أرى في شأن الإصلاح, إلا طريقٌ واحد, هو أن يظهر مُصلحٌ, مؤمن بحِكمَة الإصلاح, يلتف حوله غالبية الشعب, متخذين من استشهاد الحسين عليه السلام, مناراً للحرية وتعديل المسار.