23 ديسمبر، 2024 3:22 ص

شهدت مصادفة شجاراً حامي الوطيس بين صيدلانية شابة ورجل رث الهيئة وفهمت من شجارهما ان الرجل يبحث عن حبوب (الكبسلة) وان الصيدلانية ترفض الموضوع بكل تفاصيله لدرجة ان مجرد سؤال الرجل عن الحبوب استفزها ودفعها إلى طرده خارج المحل.
بعد خروجه من الصيدلية، تفحصت هيئة الرجل.. بدا لي شارد الذهن وكرامته موضوعة عن سابق تصميم على اعلى الرفوف فلا تعني له الاهانة شيئاً ذا بال وإلا لعلا صوته على صوت الصيدلانية عدا ان ادراكه بأنه من (المكبسلين) يجعله هشاً وعرضة للإهانة في أية لحظة من رافضي الظاهرة والحذرين منها.
ذات مرة، سمعنا من احد المساجين رواية عن شاب أودع في سجن (التوقيف) وهو فاقد الوعي تماماً ومر ما يقارب الاسبوع وهو في عالم آخر لا يصحو إلا دقائق يطلب فيها ماء يشربه ثم يعود إلى عالمه الخاص لدرجة انّ نزلاء السجن كانوا يسحبونه سحباً إذا طلب أحد الضباط رؤيتهم أو أجري تعداد لهم.
وقال محدثنا ان ذلك المكبسل صحا أخيراً يسأل الرجال المتحلقين حوله: (أين أنا؟) وعندما علم انه في السجن أجهش بالبكاء قائلاً: “لم يسأل عني أحد”.. زوجتي، أهلي.. وقتها، فكرّ السجناء بان أهله وزوجته يعرفون بأنه مدمن على حبوب الكبسلة وصاروا يتوقعون منه الغياب عنهم بين فترة وأخرى وقد يكونون رافضين تماماً لسلوكه وتبرأوا منه منذ ان صار مدمناً.. دارت افكار كثيرة في رؤوس المساجين لكن اهم ما تمت مناقشته آنذاك هو ان رجلاً مثل هذا لا يشعر باي خطر يهدد عائلته أو ضرر يصيبها أو عوز يواجهها ما دام يغيب عن الوعي كل هذا الوقت واذن فوجوده بينهم لا داع له وسؤالهم عنه لا معنى له.
وبعد ان صارت حبوب الكبسلة تباع في كل مكان وتتسرب ببساطة عبر الحدود مع دول الجوار وأماكن أخرى عديدة وصار (المكبسلون) ظاهرة لا تثير الدهشة والتساؤل بل القرف والازدراء، صار لابد من تطبيق القانون بصرامة ضد من يتعاطى المخدرات ومن يتاجر بها ..
أحد رجال القانون المعروفين في العراق طالب باطلاق حملة كبرى ضد مدمني المخدرات داعيا وسائل الاعلام ورجال الدين والمؤسسات التعليمية والتربوية ومنظمات المجتمع المدني الى تكريس جهودها ضد هذا الخطر الداهم الذي يستحق اهتمامها اكثر من قضايا حقوق الانسان والعنف ضد المرأة وحرية التعبير عن الرأي فالمخدرات داء خبيث سيؤدي انتشاره في الجسد العراقي الى الفتك به ، فلايشكل المدمن خطرا على نفسه فقط بل على عائلته ومجتمعه اذ يجري استغلال بعض المدمنين لاغراض اجرامية وارهابية كما يقود الادمان البعض الى الانتحار فهم غائبون عن الوعي والادراك طوال أيام تحتسب من عمرهم وتئد آمال عوائلهم في الاستفادة من وجودهم كأيد عاملة ومعيلة أو على الأقل كرمز انساني يمكن اللجوء إليه في اية لحظة لأنه بكامل قواه العقلية وصحوه الذهني لكن المدمن شارد الذهن، قليل الاحساس بمن حوله واضعاً مشاعره وكرامته على الرف وقد يكون هدفا لاستغلال الإرهابيين ، وعندها ، لن يكون شجار الصيدلانية واهاناتها للرجل (المكسبل) كافية لحماية المجتمع..