23 ديسمبر، 2024 4:02 ص

كثرة الفتاوى والمفتين سبب ابتعاد الناس عن الدين

كثرة الفتاوى والمفتين سبب ابتعاد الناس عن الدين

بالرغم من كثرة المذاهب والمدارس الدينية ومن يتخرج منها ، وبالرغم من كثرة الأشخاص المتصدين للفتوى وكثرة الفتاوى وكثرة الوعاظ والدعاة، لكنك ترى المجتمعات في واد وهؤلاء في واد آخر.
وهذا واضح من ملاحظة الانحدار الأخلاقي حيث انتشرت الكثير من الأمراض الخطرة، والذي يسعى لجمع الشواهد لا يحتاج إلى مئونة ولا إلى إجراء مسح أو مراجعة إحصائيات، فالواقع شاهد حي على ذلك ، فالفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل الدول والحكومات واضح وجلي، إضافة إلى الفساد الأخلاقي للطبقات السياسية، وكذلك ما نشاهده من كثرة حالات الطلاق، وانتشار المخدرات بين الشباب، وما نسمع عنه من زيادة في معدلات الجرائم الأخلاقية التي وصلت إلى التجاوز على المحارم، مروراً بضياع الأوطان بعد أن أصبح الكثير يتغنى بالعمالة للأجنبي على حساب الوطن.
أما من يريد شاهداً دامغاً على انحراف المجتمعات رغم أسلمتها فهو ما يحدث من إراقة للدماء واستباحة للأعراض والأموال وتهجير الناس وهدم البيوت وهذا ما جرى ويجري في البلدان العربية، وحتى التي لم يحدث على أرضها مثل هذا التقاتل فهي تشارك فيه بطريقة وأخرى.
ومن الملاحظ إن هذا يجري رغم كثرة من أشرنا لهم من الدعاة، ورغم كثرة الدعاية الإعلامية لهم، ورغم كثرة المناصب والمؤسسات التي يديرونها، ورغم أن الصبغة الظاهرية للمجتمع هي الإسلام والالتزام بتعاليمه .
وهنا علينا أن نسأل، هل أن الخلل في الإسلام وتعاليمه؟ وأنها لا تصلح لهذا الزمان وغير مؤهلة لإصلاح البشر بما فيهم المسلمين؟ أم أن المشكلة في البشر وبالخصوص المسلمين بما فيهم الدعاة؟ فغالبيتهم بعيدون عن الإسلام، والكثير من أطروحاتهم أما أنها ليس من الإسلام بشيء أو أنهم لا يلتزمون بها أي أنهم يقولون ما لا يفعلون
والإجابة حتماً ليست من السهولة، فليس كل ما يطرح على سبيل التنظير والتعاليم والوعظ يمثل الإسلام، أي أن هناك انحرافاً عن النظرية والتعاليم فيما يطرحه من يتصدى للقيادة سواء من المؤسسات أو العلماء أو الوعاظ أو غيرهم.
وأيضاً هناك خلل في التطبيق فنحن نعرف أن الكثير سواء ممن الدعاة أو من الناس بعيدون بقدر ما عن التطبيق الصحيح للإسلام.
وإذا اجتمع الأمران من انحراف في التفكير والمبادئ والنظرية مع الانحراف في التطبيق والسلوك، فإن الداعية سوف يكون وبالاً على الأمة وعلى دين الله وعلى الإنسانية، وسيكون أكثر تدميراً وشراً من الدجال كما وصفته الأحاديث المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) (غير الدجال أخوف عليكم عندي من الدجال: أئمةٌ مضلون)، وورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: (إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة من الدجال، أئمة مضلون وهم رؤساء أهل البدع(، وعن أبي عبد الله) عليه السلام) قال: (قال رسول الله : سيأتي على أمتي زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ومن الإسلام إلا اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود(.
وهذه الأحاديث والروايات تجسد واقع الأمة الذي تعيشه حالياً حيث الانحدار والتسافل واستباحة الدماء والأعراض والأموال.
ونحن هنا ليس لدينا اعتراض على حرية العقيدة أو الفكر أو خيارات الناس، فهم أحرار في اختياراتهم، ولكن كما يقول أحد المفكرين المعاصرين (نحن لا نعترض على الفكر وتبنيه، ولكن اعتراضنا على توظيفه في الافتراء والإفك والبهتان على الآخرين، وتكفيرهم وإباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم).
فلكي نوقف سفك الدماء علينا أن نعيد النظر بطريقة استخدام الفتوى والوعظ في مجتمعاتنا وأن يكون هناك بُعد نظر في توقع نتائج ما نقول من على المنابر أو ما ندعي أنه يمثل حكم الدين لكي نحافظ على بقية أوطاننا.