23 ديسمبر، 2024 1:38 ص

كتاب الحياة تماهي الواقع مع الخيال

كتاب الحياة تماهي الواقع مع الخيال

في مجموعته القصصية الجديدة ( كتاب الحياة) يزيل القاص عبد الامير المجر الحدود الفاصلة مابين الواقع وكل ماهو فنتازي او غرائبي ، ليحول اللامعقول الى معقول انطلاقا من قناعته بغرائبية هذا الواقع الذي ترسم صوره المشوهة والشاذة افعال ناسه وسلوكياتهم .
انه ومن خلال طبيعة الصراعات السائدة على المستوى الاجتماعي او السياسي او حتى النفسي ، يطرح امام المتلقى تلك الصور التي تخفي خلف ظاهرها جوهر الماسي المستمرة التي كان الفرد ضحيتها الاولى رغم انه يكون في بعض الاحيان احد مسببات هذا الصراع او اداة من بين ادواته الكثيرة.
ففي قصة ( عراة) التي يستهل بها المجموعة تبرز ثيمة (السرقة) المتبادلة مابين اهل المدينة من جهة ورئيسها وحاشيته من جهة اخرى .
وهي سرقة تعدت حدود الطابع الاخلاقي الذي يتحلى به بعض اللصوص لتصل الى تجريد الانسان من ملابسه وابقاءه عاريا ، متساويا بذلك مع الحيوانات .
هذه السرقة اوقعت بطل القصة الذي كان شاهدا على الاحداث في حيرة من امره لخصها بالسؤال التالي :
( اثرت ان اكتبه ، بصفتي شاهدا على تلك الواقعة الغريبة ، على شكل قصة قصيرة ، اسميتها العراة ، من دون ان اعرف بالضبط هل يحيل هذا العنوان الى الجموع التي تعرت من اشيائها ، او الى رئيس المدينة ورهطه ممن تعروا وسط الجمع الغاضب)
وهذا السؤال بحد ذاته يحيلنا الى شمولية الانهيار القيمي في مجتمع تلك المدينة المتخيلة وعدم اقتصاره على الطبقة المتسيدة .
وفي قصة ( دعوة لحفل المجانين) نلمس فكرة تعكز السياسي على الاعلامي واستغلال كتاباته لتعزيز وجوده في عالم السياسة ، في اشارة واضحة الى خواء السياسيين الفكري ، ومحاولتهم استثمار ثقافة الكتَاب لصالحهم ، حيث تعني في معناها الاعمق محاولة شراء الفكر من اجل اكساب وجودهم نوعا من الاقناع لدى للجمهور.
اما في القصة التي عنونت بها المجموعة ،واقصد كتاب الحياة ، فقد عملت عبارة الفيلسوف الالماني غوتة دور الموجه القرائي بالنسبة للمتلقي حيث انصرف التفكير باتجاه ثيمة الصراع الابدية بين الشك واليقين ، وقد كانت غرائبية الحدث تقود الى هذا الامر حقا ، فالمعلم القديم الذي امضى في الخدمة اكثر من عشر سنين ، يصرف وقتا طويلا في قراءة (كتاب الحياة) المهدى اليه من قبل احد اصدقائه ، بدون ان يفهم منه شيئا بسبب غزارة معلوماته المتناقضة ، وهو ايحاء من البطل بتشوش الحياة الواقعية وعدم اتضاح مساراتها الصحيحة وضياع منطقية احداثها .
هذا المعلم يختلط عليه الحلم بالحقيقة في احد الايام فتفاجأه الحياة بتفاصيل غريبة عنه وتدفع اليه بشخص عجوز يحل محل مدير المدرسة ، له مواصفات الملاك السماوي ، ليقوم بدور المستمع الهاديء الذي يستقبل كل مااختزن في داخل المعلم من مخاوف حياتية قديمة تراكمت في شخصيته الشفافة عبر مسيرة حياته ، ثم يقدم له بعد الانتهاء ، الكتاب ذاته الذي اهداه اليه الصديق الحقيقي.
ان الطبيعة المركبة لهذا النص تستبطن فكرة ميتافيزيقية ودنيوية في ان واحد ، تتمثل بحمل الانسان لكتاب حياته معه عند الرحيل ، وبقائه كتأريخ مقروء من قبل الناس بعد ذلك. فالالتقاء بالشيخ المهيب في مكان سديمي خال من الملامح واستلامه للكتاب يؤكد سماوية هذا الكائن الذي خرج بغتة من مكان مغلق هو غير مكانه في الاصل .
وتنتهي هذه القصة نهاية دراماتيكية عندما يتلقى المعلم خبر موت صديقه صاحب الكتاب الذي اختصرت فيه كل فلسفة الحياة المبهمة ليتركنا الكاتب في دوامة التخمنيات المتعلقة بالميت الحقيقي خصوصا وان البطل تلقى في استهلال القصة مكالمة هاتفية تتعلق بخبر صدور حكم الاعدام عليه .
ولم تكن قصة (العظماء يرحلون بصمت) اخر القصص لكننا سنتتخم بها انطباعاتنا الشخصية هذه كونها قصة عميقة الدلالة قارنت مابين ميتين تفصل بينهما مسافة شهرة واسعة جدا لاتسمح للفرد بجمعهما معا الا اذا امتلك الخيال القصصي الواسع والعواطف الانسانية الذكية .
فقد كان الميت الاول هو رونالد ريغان باسمه العالمي الشهير فيما كان الميت الثاني (ابو ايوب) باسمه المغمور الذي لايكترث به احد سوى سارد تلك القصة .
ان النظر الى المعنى العميق لهذه الشخصية البسيطة يخرجنا من اطار المقارنة الساذجة ويدخلنا في اطار مقارنة منطقية جدا .
حيث ان دلالة اسم (ايوب) مرتبطة تاريخيا بالنبي الذي هو رمز العذاب والصبر في ان واحد ، وهاتان الحالتان بالتحديد ولدى ربطهما في الزمن الواقعي للقصة نجد انهما ينطبقان على الانسان العراقي الذي عانى كثيرا في فترة الحصار ، لذلك فأن موت احد مسببي الحصار تزامن مع موت ضحيته ، غير ان صدى موت الظالم كان اكثر دويا من موت المظلوم .