22 نوفمبر، 2024 10:19 م
Search
Close this search box.

كتابة على الحيطان المتهافتون ..كثير حول السلطة قليل حول الوطن !

كتابة على الحيطان المتهافتون ..كثير حول السلطة قليل حول الوطن !

لايمكن وصف المشهد السياسي في البلاد الآن ، الا بكونه مشهدا للصراعات الشرسة للوصول الى أكثر عدد من الكراسي والمناصب في البرلمان القاد م، صراع تبّدت فيه كل أشكال المكر والخديعة ، وأطلت من خلاله الذئاب ، في معركة لاتمت بصلة الا للشعارات المرفوعة التي يجترها السياسيون النفعيون !
ويبدو إن لاحدود لهذا الصراع حتى يعلن لنا البايومتري المسكين من سيقود كل هؤلاء الناس في مرحلة سياسية قادمة يلفّها الكثير من الغموض والمخاوف وإنعدام الثقة !
ولاجديد علينا أن نشهد مع العد العكسي للوصول الى صناديق الإقتراع ، تنوع أشكال الصراع من التسقيط الى محاولات الاغتيال لإبعاد مرشحين من هذه الكتلة أو تلك ، مروراً “كريماً” بعمليات البيع والشراء لصوت الناخب في سوق النخاسة السياسي هذا !
هي ثقافة الكرسي ، وهي ليست ثقافة جديدة ، لكن الجديد فيها إنها خرجت من “تقنياتها ” السابقة المحدودة والمحصورة لتصبح “مشاعة ” بين شخصيات قالت عنهم وزيرة الخارجية العمة كونداليزا رايس “لقد أتينا بهم من الازقة الخلفية في عواصم العالم المختلفة ” ..ومع كل هذه الإهانة بلعها الجماعة ، كما لو كانت مزحة خفيفة ، والسبب هو الكرسي الذي يخشون ضياعه لو زعل عليهم العم سام !
وللإنصاف فان “التمرد ” الفريد عن هذه الجوقة الاوكسترالية المشوهة ، هو تمرد الشيخ خميس الخنجر الأمين العام للمشروع العربي الذي يخوض الإنتخابات النيابية للمرّة الاولى منذ تأسيسه ..، فقد أعلن إنسحابه من الإنتخابات وهو الرقم واحد في قائمة القرار العراقي في بغداد ، مع إن الرجل ، وبكل الحسابات ، ضامن لمقعده في البرلمان وبامكان الأصوات التي كان سيحصل عليها أن تضمن للآخرين كراسياً أخر ..
وبغض النظر عن المبررات التي قالها الخنجر ، وبالرغم من القيل والقال عن الانسحاب وتكتيكاته ، فإنه ومن دون مبالغة قد أسس لثقافة سياسية جديدة في المشهد السياسي العراقي الذي عنوانه “التهافت على الكراسي والمناصب ” ، وهذا العنوان ليس تجنياً ، فقد بلغ سعر المساومات على التسلسلات في القوائم الى ملايين الدولارات ، وهي حقيقة معروفة وليس لنا فضل الكشف عنها ..
وللإنصاف أيضاً فإن عروضاً سخيّة قدمت للرجل من قوى نافذة ومتنفذة وصاحبة قرار في السلطة ، دون “دوخة” رأس السباقات الانتخابية ، لكن الرجل رفض تلك العروض ففي رأسه مشروعاً مختلفاً عن السلطة وما تشكلّه من عوائق أمام مساحة أكبر للعمل وخدمة جمهوره كما قال في تبريرات الإنسحاب من القائمة المتحالف فيها مع السيد أسامة النجيفي ، وسأكون ممتناً لمن يدّلنا على شخصية سياسية عراقية قامت بالفعل نفسه منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة قبل 97 عاماً !!
وتشتهر في عالمنا العربي مقولة أن الحكّام “لا يخرجون من القصور إلا إلى القبور”، أو بعد أن تتعرض البلاد لمراحل تحول مفصلي تضطرهم إلى ذلك، والتأريخ السياسي العراقي خير مخبر لنا على خروجات القبور !
يقول جون ماكسويل في كتابه “قائد 360 درجة ” أن القيادة قرار تتخذه واختيار تصنعه، لا كرسي تجلس عليه أو وصف وظيفي يعطيك المزيد من الصلاحيات الإدارية أو الفنية، ويحملك المزيد من المسؤوليات الرسمية. القادة يختارون مصائرهم لأنهم مجبولون على الريادة، فيهم يصنعون ظروفهم ويقررون نتائجهم ومكانتهم، ولأنهم مختلفون فهم يصنعون فرقاً أينما وجدوا ” ،مفنداً مقولة ” لا أستطيع القيادة إن لم أكن رئيساً”.
في التجارب السياسية للشعوب الأخرى تطالعنا تجارب من هذا الطراز ، طراز الرجال الذين يقودون من خارج الكراسي ومناصبها .. رئيس الأوروغواي السابق، خوسيه موخيكا، الشهير بـ”أفقر رئيس عرفه العالم”، انتهت ولايته في العام 2015، بعد 5 سنوات من الحكم، رفض البقاء في منصبه رغم كل الضغط الشعبي الذي طالب ببقائه وقال “خارج السلطة أستطيع أن أخدم شعبي أكثر ” .
غاندي تلك الأسطورة المعروفة حول العالم ، والذي قاد الهند الى الإستقلال الحقيقي ، كان خارج السلطة وقال “كثيرون حول السلطة، قليلون حول الوطن” !
نيلسون مانديلا رئيس جمهورية جنوب افريقيا الراحل ، قاد نضال بلاده ضد نظام الأبارتيد العنصري 27 عاماً وهو خلف القضبان ، وحقق أهدافه قبل أن يصل الى كرسي الرئاسة الذي كان يستحقه .
عمر المختار قائد الثورة الليبية صعد الى حبل المشنقة رافضا كل العروض المغرية للمستعمرين الطليان ، فذهب الطليان وبقي المختار ..
حقيقة نحن بحاجة الى شخصيات سياسية قيادية تعطي للمناصب ولاتأخذ منها..شخصيات قادرة على أن تخدمنا وتحقق أهدافنا خارج المكاتب الوثيرة ومغرياتها وإمتيازاتها..شخصيات لاتتهافت على المناصب وتقاتل بشراسة من أجلها تحت شعار ” الغاية تبرر الوسيلة ..نحتاج الى أكثر من خميس الخنجر وإن إختلفت معه في المنهج والسلوك السياسيين ، فالرجل قدم إنموذجا عراقياً في إحتقار السلطة وقيودها.. والبحث عن فضاءات واسعة لخدمة الناس ..!

أحدث المقالات