تعدّ كتابة المذكّرات شكلًا من الأشكال الإبداعية للتعبير عن مشاعرك دون الخوف من الحكم عليها أو نقدها من قبل الآخرين.. وتسمح لك كتابة المذكرات بالتعامل مع المشاكل المعقّدة في حياتك.. كما تسمح لك أيضًا باستكشاف هذه المشاكل بصورة متعمّقة وخفيّة.
يمكن أن تكون كتابة المذكرات أيضًا طريقة للتخلّص من التوتّر.. عوضًا عن قيامك بصبّ مشاعرك السلبية المكبوتة على الآخرين من حولك في محاولة للتخلّص منها.
وتعتبر مذكرات الشخصيات العامة أمانة في عنق كاتبيها..فهي جزء من التاريخ الوطني لكاتبها.. مثلما تشكل جزءاً من التاريخ العالمي.
ومنذ ستينات القرن الماضي لم أتوقف عن قراءة مذكرات لشخصيات بارزة عالمية وعربية وعراقية.. نهلتُ منها دروساً رائعة..مثلما سَخِرتُ من العديد من المذكرات لما تضمنته من شطحات وافتراءات ونفاق وكذب وحتى تناقض وتزيف للتاريخ (كمذكرات نانسي ريغان زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق)..ومذكرات حازم جواد (وزير رئاسة الجمهورية ووزير الداخلية العام 1963).
البعض يعيد طبع مذكراته وفق الظروف.. وبالتالي يحدث تناقضاً كبيراً في الأحداث والروئ والمواقف..فيفقد الشخص ماضيه بلا سبب.. كمذكرات خليل كنه (أحد وزراء العهد الملكي في العراق).. الذي أعاد كتابتها في العهد الجمهوري بشكل يناقض الأحداث ومواقفه.
مذكرات أخرى تحدث صدمات كهربائية.. لصراحتها.. كمذكرات حردان التكريتي.. فقد نشرت قبل وقت قريب.. لكن نظراً لطرحها أموراً خطيرة اختفت.. حتى بثت الأخبار إنها غير حقيقية.. وعلى الرغم من أهميتها.. ونشر أمور لا يعرفها سوى هو.. ويبدو إن آخرين قلائل في عداد الأموات أو أحياء ليس من مصلحتهم أن تنشر هذه الحقائق!!.. وهكذا اختفت!!
ما أثار اهتمامي مذكرات المهاتما غاندي.. وونستون تشرشل.. وشارل ديغول.. والملك حسين.. والحبيب بورقيبة.. وجمال عبد الناصر.. وإبراهيم كبه في كتابه: “هذا هو طريق 14 تموز”.. لقد أعدت قرأتً هذه المذكرات لهؤلاء العمالقة أكثر من مرة لما فيها من دروس وعبر.
أتذكر موقفاً لن أنساه فبعد إحالتي على التقاعد أوائل العام 1984.. راجعتُ المسؤول الجديد.. الذي شغل موقعي لأمر رسمي يخص العمل.. فمنعني مدير مكتب المسؤول الجديد.. وكان هو نفسه مدير مكتبي.. الذي كان يشيد بأخلاقي وعملي بشكل لا يصدق!! وقال ليَ بصلافه: “أستاذ ليس لديك موعد مسبق”.. فمثل هذه الحالة لا يمكن تثبيتها بعد وفاتي.. وفي مثل هذه الحالات وغيرها أصعب في حياة الكثير.. وهي دروس لن تنسى!
كتابة المذكرات من قبل أصحابها:
يبدو أن أفضل المذكرات هي التي يكتبها أصحابها وهم أحياء.. فبعد وفاته قد يتدخل الورثة في كتابتها فيشوهونها.. أو حتى يحرفونها في بعض الأحيان.. أو قد يحذفون بعض الحقائق منها.. لاعتقادهم إنها تسيء لصاحبها أو تسيء إليهم.. في حين قد تكون مهمة لتبيان حقائق تخص العامة والمجتمع والتاريخ.
ووفق قاعدة كتابة مذكرات الأشخاص وهم أحياء.. عملتُ (أنا كاتب هذه المقالة) على كتابة أحداث كبيرة ومهمة.. سواء كانت خاصة بيً.. أو قضايا عامة وقعت أمامي.. أو شاركتُ بها بشكل أو بآخر.. كتبتها بحقيقتها مجردةً.. ولم ابرر أو أضخم مواقف وأحداث مرت بيً أو شاهدتها.. كما لم امدح أو أشيد بمن قدم ليً عوناً أو مساعدة.. ولم أذم أو أسيْ لمن آذاني بكل الأشكال حتى من قطع رزقي.
واعتقد جازماً.. إن”محطات في حياتي” دروساً وعبر للقارئ.. مثلما تشكل جزء من تاريخ العراق بشكل أو بآخر.. نشرتُ معظمها في الصحف والمجلات على شكل حلقات.. وإن شاء الله بعد استكمالها سأنشرها بكتاب.. متخذاً من الحقيقة الأساس في كتابتي.. حتى لو كان موقفي خطأ.