ليست معنية بسؤال الواقع وحسب، الكتابة معنية بمساءلة ذاتها وسؤالها عن المضاف في ما تروم. لا يكتب الكاتب لكي يواصل حضوره.
في حوار مع روائي عربي تحدث باعتداد عن الكم الوافر من الروايات التي كتبها وما زالت في الأدراج. هذا الموقف يعيد سؤال الكم والكيف في الكتابة الأدبية. ولأن صاحب القول روائي معروف وحاضر بكثافة في الجوائز ولجان الجوائز يأخذ السؤال أهميته الخاصة.
قبل سنوات صدرت للكاتب روايتان خلال مدة تقرب من العام. بعد قراءة الرواية الثانية وجدت الكثير من التماثل بين العملين في المسار السردي والثيمات. أيضا كان هناك الكثير من لغة الإنشاء عن الحب ذكرتني بأسلوب أحلام مستغانمي في ثلاثيتها المعروفة.
المشكلة لم تكن في التشابه، إنما في العبء الذي تشكله هذه اللغة على تنامي حركة السرد وأحداث الرواية. من المفترض بروائي يتباهى بالكم الكبير من منجزه أن يدرك هذه الإشكالية. الغواية التي تشكلها لغة المجاز لا تعوض هذا التوقف في تنامي حركة السرد.
الاشتغال على موضوع الحب والإرهاب الذي عاشته وتعيشه مجتمعاتنا، ثيمة هامة لكنها ليست معزولة عن شروطها. ثمة الكثير من القضايا تتقاطع معها؛ الاستبداد، الفقر وغياب التنمية، الفساد وسلطة العسكر، وسقوط الشعارات التي حدث كل هذا في ظلالها. إذا يجب توسيع دائرة الرؤية. الرواية عالم حافل بالكشف والتكوين.
أن تكتب كثيرا ليس هذا امتيازا. الكتابة ليست في الكم بل في الكيف. كتاب كثيرون كتبوا أعمالا كثيرة وما يتذكره القارئ منها عملا أو أكثر. بالمقابل ثمة كتاب مقلون، لكن ما زالت أعمالهم حية ومقروءة بامتياز. الكتابة بمثل هذه الغزارة لا بد أن تشكل عبئا على المنجز نفسه، إنها تستهلك من رصيده، سواء من خلال الموضوعات أو اللغة أو المنظور.
ثمة كتاب لم يغامروا بالنشر قبل الخمسين، في حين وصل منجز البعض خلال هذه العقود إلى أكثر من خمس عشرة رواية. مشكلة الكتابة هنا لا تتوقف على الكم، المشكلة في تجاوز المنجز السابق والإضافة والتطور. هنا تكمن المغامرة الإبداعية والجمالية في الكتابة مهما كان جنسها.
الكاتب الذي لا يسأل نفسه عند كتابة كل عمل جديد، ما الجديد الذي سأضيفه، كاتب يستهلك من رصيده السابق. الكتابة هي مغامرة دائمة الكشف والبحث والتشكل. عمر التجربة الأدبية لا يقاس بعدد الكتب التي تصدر. التجاوز والإضافة والإبداع المتجدد هي العلامات التي تميز بين كتابة الكم والكيف.
الكتابة ليست معنية بسؤال الواقع وحسب، الكتابة معنية بمساءلة ذاتها وسؤالها عن المضاف في ما تروم. لا يكتب الكاتب لكي يواصل حضوره. يكتب الكاتب لكي تواصل الكتابة إبداعها وتجددها عندما تكتمل ولادتها.
نقلا عن العرب