حلمت مرة, فيما يرى النائم, اني احلم حلماً في حلمي, كان لذيذاً حتى أن هرمون السعادة الأندروفين طفر عندي عالياً, لكني لم أتذكر مضمونه. بعد أيام زارني في الحلم غراب أبيض, حيرني وقمت اضرب اخماس بأسداس, هل هو بشرى خير او مخبر شر.
عادة لا أهتم بتفسير أحلامي, لكن تتابع حلمين مشجعين بذرا في نفسي التوجس : ربما القدر يخبيء لي دوراً جديداً في الحياة… فقد يجعلني نبياً او مجنوناً, وهذا كان مبعث فضولي واهتمامي.
افتقدت كثيراً ” ابن سيرين* ” حينها, لعله كان انقذنا من الورطة. فالغراب معروف تقييمه في الذاكرة الشعبية كفأل سيء, لكن غرابي أبيض ! لعله يحمل بشرى كما هدهد سليمان, او كما الحصان الأبيض او الكائن الأبيض الذي يزور بالأخص المعممين دون غيرهم, رغم التعداد الملياري للمؤمنين, لسبب غير معروف, ويكشف لهم قرب حدوث معجزة !
تصوروا, حتى زوجتي التي تعرف كل شيء وقفت عاجزة أمام حل هذا اللغز.
لم أرد اللجوء إلى من يرفعون يافطات من قبيل : ” العالم الروحاني الفلكي مفسر الأحلام والمنوم المغناطيسي “, ولا لقارئة فنجان غجرية ” تتأمل فنجاني المقلوب… ” وما إلى ذلك, وإنما قررت العودة إلى الأصول .
وبعد سيرفنك في بحور الغوغل بحثاً عن ” ابن سيرين ” وتفسيراته… وقعت على ما يثلج القلب فيها وهي التالية : ” يدل الغراب على طول العمر للرائي؛ لطول عمر الغراب في الواقع “.
ابنتي جذبتني من علياء سماوات خيال أحلامي وانزلتني إلى ارض واقع أيامي, كما هي عادات هذا الجيل الذي لا تبهره الروحانيات إلا بقدر ما تحقق احلامهم الأرضية الأكثر خصوصية, وطلبت مني, على ضوء المعطيات الايجابية المتوفرة من الحلمين, وعلى جناح السرعة, شراء ورقة يانصيب, لعل بياض الغراب محضر خير, ويضرب الحظ ضربته بعد مجافاة تاريخية.
طبعاً نتائج السحب لم تأتي ( بما تشتهي السفن ).
لم نقنط, فلم يكن هناك تعويل حقيقي على مليونات ورقة اليانصيب التي يجيء بها غراب شائب الريش أبيضه, وكل رجع إلى عمله المعتاد, واعتبرناها مجرد أحلام عصافير او ربما حتى أضغاث أحلام.
أحد أصدقائي المقربين الذي تعشمت فيه الحصافة وبعد إنصاته الصبور لقصة أحلامي بحذافيرها وبالتفصيل الممل, قدّم لي, ضاحكاً, نصيحته التي اعتقدها ذهبية : ” لا تنام مكّشف ! “.
* ابن سيرين هو أبو بكر محمد بن سيرين البصري. التابعي الكبير والإمام القدير في التفسير, والحديث, والفقه, وتعبير الرؤيا، علاَّمة في تفسير الأحلام.