18 ديسمبر، 2024 7:45 م

كان ياما كان قبل عقود من الزمان

كان ياما كان قبل عقود من الزمان

بعيدا عن التمجيد والتطبيل لأي نظام سياسي حكم العراق سواء كان في العهد الملكي او العهد الجمهوري. ولكن مع تماشي اعمارنا نحن جيل الستينات ومنذ ادراكنا للوعي في الحياة العامة كان هناك دولة اسمها جمهورية العراق وكان فيها دوائر ومنشآة خدمية ووزارات فنية واجبها خدمة المواطن.. كل شيء كان برعاية القانون لم يكن لدينا ديمقراطية ورغم ان النظام يسمى بالدكتاتوري ونعيش مع نظام الحزب الواحد الا ان هذه الحكومة الدكتاتورية لا يوجد في كل محافظاتها الا ما يقارب عشرون نقطة تفتيش فقط من شمال البلاد الى جنوبه…
ورغم كل الحروب التي صنعتها تلك الحكومات مع دول الجوار وبعيدا عن المسببات والاسباب كان لدينا الالاف من العمال يتوجهون الى مصانعهم صباحا لينتجوا من معاملهم البضائع المحلية التي توازي البضائع الاجنبية المستوردة من حيث جودتها..
كان الفلاح العراقي ينتج كل انواع الخضروات والفواكه من الاراضي الزراعية. وكان هناك اكتفاء ذاتي لأغلب المحاصيل الزراعية وهناك فائض كبير يصدر الى الخارج فالألاف من الاطنان من الخضراوات والرقي العراقي المعروف يصدر سنويا في الصيف الى دول الخليج العربي عن طريق الكويت والاردن…
واما التمور العراقية فلقد وصل تصديرها الى كل دول العالم. والملفت في الموضوع اننا كنا نصدر حتى النباتات البرية في الربيع كالكمأ والكعوب وقسم من الاعشاب التي تدخل في صناعة الادوية والمستحضرات الطبية الى اغلب دول العالم الصناعية ….اضافة الى اكتفاء البلاد من محاصيل القمح والشعير والبقوليات ويصدر العراق عشرات الالاف من الاطنان سنوياً لهذه المحاصيل للدول الاخرى….
كانت هناك مصافي للمشتقات النفطية تنتح الانواع الفاخرة من الوقود وزيوت المحركات ويصدر العراق ملايين البراميل من فائض هذه الصناعة مع اكتفاء تام وبأسعار رمزية للمواطن العراقي….
كانت لدينا مصانع للأدوية وصلت منتوجاتها الى الاسواق العالمية لأنها تحمل مواصفات الجودة والمقاييس الدولية…
كان هناك رقابة شديدة على كل منتوج محلي ودوائر للسيطرة النوعية للحفاظ على الجودة العالمية…
كانت لدينا وسائل للنقل داخل وخارج المدن ترجع عائديتها للدولة تسمى مصلحة نقل الركاب وبأجور رمزية وكانت الدولة تمتلك اساطيل من النقل الجوي والبري والبحري
لم يكن هناك فساد اداري او مالي في وزارات الدولة لان العقوبة كانت شديدة وقاسية جداً والمحسوبية ممنوعة….
كان هناك محلات للمواد الغذائية الاساسية ومساحيق الغسيل وايضا محلات لبيع الاجهزة الكهربائية والالكترونية وكل ما تحتاجه العائلة العراقية واسعارها مدعومة من قبل الدولة وكانت كل عائلة لديها خزين يكفيها سنة كاملة…
كان لدينا مستشفيات ومراكز صحية متوفرة فيها كل الادوية لكل الامراض الشائعة وكانت المستشفيات تضاهي الفنادق الراقية بنظافتها والخدمات التي تقدمها وكان النظام الصحي في العراق يعتبر من انظمة المصاف الاول عالميا…
كانت الناس تعيش في امان الله تجمعهم وطنية العراق ومحبة قلوبهم البيضاء واصالة عشائرهم الراسخة جذورها في التاريخ..
كانت مدارسنا بيوت للعلم نتعلم فيها كتابة وقراءة دار ودور وسورة الفاتحة وقانون نيوتن والجاذبية وعلوم الرياضيات واللغة الانكليزية كتابة ولفظاً. وكان كادر المدرسة كامل متكامل ولم يكن هناك معلم اسمه محاضر مجاني.. وقد صنفت المنظمة العالمية اليونسكو العراق بانه بلد تعليمي متكامل الحلقات.. وكانت التغذية المدرسية تصل يوميا الى ابعد قرية نائية فيها مدرسة…
كانت جوامعنا بيوتاً لله ومصدر للتشريع وليس مقرات للأحزاب وأيقاظ الفتنة ولم تكن لدينا مسميات طائفية لان الشعار السائد بين ابناء المجتمع هو الدين لله والوطن للجميع….
كانت هناك طرق معبدة وسريعة تربطنا بدول الجوار وجسور عصرية حديثة تربط مدننا فيما بينها….
كل هذا كان واصبح لن يكون. وتسقط الدكتاتورية التي تنادي ببناء الدولة وفق نظام الحزب الواحد الحاكم بالقوة…
وعاشت الديمقراطية التي غيرت عاداتنا وتقاليدنا ودمرت اقتصادنا في القطاعين الزراعي والصناعي…
والحمد لله على كثرة الاحزاب ومناصب الاحباب والمواطن المهجر والمال المباح والمبذر وآه منك يا لساني تشككني بأوطاني فالرواتب كثيرة مع قلة في الحياء والغيرة وسعر المتر الواحد من ارض البناء في بعض مناطق العاصمة بغداد قد وصل خمسة ملايين دينار… والحمد لله على حسن الجوار وكثرة القنوات الفضائية لنقل الاخبار…
وسلاما على العراق بلد الثورات وصاحب الحضارة والثروات…. وسلاما على كل من قرأ مقالتي ولم يكن منزعجاً مني…..