23 ديسمبر، 2024 1:07 ص

كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية اليهودية/ج3

كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية اليهودية/ج3

الكُرد كما هو معروف عنهم من أصول آرية، واليهود ساميون ينتسبون الى نبي الله يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم (عليهم السلام). ولكن لأن اليهود استقروا في بلاد ميديا (= كردستان الحالية) منذ القرن الثامن قبل الميلاد وتحديداً سنة722ق.م والى هجرتهم الى فلسطين (= اسرائيل) في سنوات 1949-1951م، هذه الحقبة الطويلة التي تقدر بحوال (27) قرناً جعلت من الشعبين الكردي واليهودي يتواصلون جغرافياً ويتمازجون اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً كأنهم شعب واحد، لا سيما قبل مجيء الاسلام الى ديار الكرد، حيث كان لليهود إمارة معتبرة تدعى في المصادر التاريخية ( أديابين- حزة) اليهودية التي كانت عاصمتها مدينة أربيل.
وفي عام 2001 قام فريق من العلماء الإسرائيليين والألمان والهنود بعدة أبحاث، حيث أكتشفوا أن غالبية اليهود في العالم يرتبطون إرتباطاً وثيقاً بالشعب الكردي أوثق مما عليه في القرابة من العرب الساميين أو أية أعراق سكانية أخرى أجريت عليهم الأختبارات؛ وقد اعتمدت على تحليلات جينية تبيَّن من خلالها أن نسبة لا بأس بها من اليهود لها علاقة؛ ولو من بعيد؛ بأقارب ينتمون للأكراد. فبحسب هذه النتائج التي خرجت بها المجموعة البحثية؛ والتي ترأستها الباحثة (أرييلا أوبنهايم) من الجامعة العبرية في القدس؛ فإن هنالك ثمة رابط جيني بين اليهود والأكراد لم يتم التعريف به وإعلانه سابقاً، كما حصل- مثلاً- بين اليهود وجيرانهم العرب الذين يشتركون معهم في إستخدام اللغات السامية الجذور. ينظر: المشروع العراقي للترجمة نقلاً عن (دراسة صدرت عن المركز القوقازي للدراسات الإيرانية في مدينة يريفان– جمهورية أرمينيا ونشرت في جامعة ليدن الهولندية – منشورات دار برل، ترجمة: عبدالسلام طه).
كان اليهود الكُردستانيين يشكلون جزءاً من التركيبة السكانية لكردستان العراق قبل هجرتهم الى اسرائيل ما بين سنوات 1949-1951م، وكانوا يعيشون في ود وسلام مع مواطنيهم من المسلمين والمسيحيين وبقية اطياف المجتمع الكردستاني لاتشوب علاقاتهم اية شائبة، وكانت أوضاعهم جيدة نسبياً مقارنة بأوضاع غيرهم من اليهود في بقية البلدان الاخرى من العالم، بحيث لم يعانوا من التمييز والتهميش الذي عانوه في بلاد آخرى كاليمن مثلاً.
وكان من المتعارف عليه عند غالبية الاوروبيين وكتاب الانسكلوبيديا اليهودية، أن الاسباط العشرة المفقودين من بني اسرائيل الذين تم جلبهم في السبيين الآشوري والبابلي الى العراق وبلاد ميديا (= كردستان) في القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد يتواجدون في كردستان، لذلك كانت كردستان محطة للعديد من الرحالة والباحثين اليهود والمسيحيين للعثورعلى هؤلاء الاسباط، وكتابة التقارير عنهم الى مراجعهم.
وأسباط بني اسرائيل الاثني عشربحسب التوراة، ولد للنبي يعقوب (= عليه السلام) الذي سمي باسرائيل، اثني عشر ولدا هم اباء كل القبائل الاسرائيلية (تكوين:35، 10) من زوجتين ومحظيتين. والابناء الاثني عشرهم : النبي يوسف و بنيامين، وأمهما راحيل بنت لابان وهي ابنة خال يعقوب. روبين وهو أكبر أبنائه، و يهودا، و لاوي، و شمعون، و زبولون، و ياساكر، وبنتاً واحدة اسمها دينا، وأمهم ليا بنت لابان، وهي أخت راحيل وابنة خال يعقوب. دان و نفتالي وأمهما بيلها. جاد وآشير(= عشير)، وأمهما زيلفا .ولاحقا، قام يعقوب بترفيع افراييم ومنسى(=منشي)، ولدي النبي يوسف من زوجته المصرية، الى مرتبة آباء عشيرة بدلا عن سبط والدهم يوسف (التكوين :48، 5).
وفي ايام يشوع أو يوشع بن نون(1355- 1245ق.م) قسمت ارض اسرائيل بين القبائل الاثني عشر إلا قبيلة اللاويين التي لم تحصل على ارض انما انيط بها ان تكون عشيرة الكهنة (يشوع: 13، 33)، وبالتالي منحوا (48) مدينة، ستة من هذه المدن استوطنها اسرائيليون من مختلف القبائل، إلا ان اللاويون كان حكامها. (اللاويون: 35). وباستبدال قبيلتي اللاويين واليوسفيين بقبيلتي افراييم ومنسى، بقي توزيع ارض اسرائيل على الاسباط الاثني عشر.
والسبط في اللغة ولد الولد، أو ولد البنت، أو الولد نفسه، ويأتي بمعنى القوم أو القبيلة، وله معان أخر، والأسباط في القرآن الكريم هم أسباط نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (عليهم السلام) من ذراريه الاثني عشر، وقد كان ليعقوب عليه السلام اثنا عشر ولدا، وهم: روبين، وشمعون، ويهودا، ويساكار، وزبولون، وبنيامين، ودان، ونفتالي، وجاد، وأشير، وآباء الأسباط العشرة، ويوسف عليه السلام أنجب ولدين هما: منشي وإفرائيم، فصار من كل واحد منهم سبط، أما لاوي بن يعقوب (عليه السلام) فلم يكن له نصيب في أحد من الأسباط، وقام يوشع بن نون – وصي موسى بن عمران (عليه السلام) – بتقسيم الأراضي المقدسة في بلاد كنعان(= فلسطين) بين أسباط يعقوب عليه السلام، وأعطى الكهانة لأولاد لاوي بن يعقوب.
ولقد كان الأسباط متآخين ومتفقين فيما بينهم، يحكمون البلاد المقدسة في بلاد كنعان حكومة واحدة حتى زمان سليمان بن داود (عليه السلام)، وبعد وفاة سليمان (عليه السلام ) انقسمت حكومتهم إلى حكومتين، إحداهما يحكمها ذراري الأسباط العشرة باسم مملكة يهوذا، والحكومة الثانية شكلها ذراري سبطي يوسف عليه السلام، وتراسها رحبعام بن سليمان، باسم مملكة اسرائيل، وكان أكثر الأسباط وذراريهم مؤمنين بالله صلحاء، ومن المؤرخين من جعلهم في عداد الأنبياء والمرسلين.
وذراري الأسباط شكلوا أمما ًوقبائل، فمثلا: روبين كان له أربعة أولاد فتوالدوا حتى صاروا أكثر من خمسين ألفا، ويهودا أنجب خمسة أولاد فتكاثروا حتى صار عددهم أكثر من أربعة آلاف وأربعمائة نسمة، وبلغ ذراري شمعون حوالي ستين ألفا، وأصبح ذراري لاوي حوالي اثنين وعشرين ألفا، وأما ذراري دان فبلغوا أكثر من ستين ألفا، وأما أعقاب زبولون فجاوزوا الخمسة والخمسين ألفا، وبلغ ذرية نفتالي أكثر من ثلاثة وخمسين ألفا، وأما جاد فبلغ عدد ذراريه أكثر من أربعين ألفا، وأشير جاوز عدد ذراريه الواحد والأربعين ألفا، وبلغ ذراري يوسف الصديق عليه السلام أكثر من سبعين الفا، وأعقاب بنيامين جاوزوا الخمسة والثلاثين ألفا، وهناك من قال: إن الأمم التي تناسلت وصارت من أبناء نبي الله يعقوب عليه السلام الاثني عشر يسمون بالأسباط.
وقد ورد في القرآن الكريم ذكر الأسباط في عدة مواقع، وهم اثنا عشر ولدا، الذين أتت منهم طوائف بني إسرائيل، ومن إحدى هذه الآيات الكريمة قوله سبحانه وتعالى:{ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، سورة الأعراف، الآية: 160.
أما الأسباط العشرة فهم سكان المملكة الشمالية (=إسرائيل)، وهم الذين طردهم الآشوريون في حوالي 722 ق.م. وتشير إليهم المصادر أيضًا بـ (إفرايم ومنشّى)؛ ومع أن إفرايم ومنشّى من سبط يوسف، لكن ربما كان يطلق على الأسباط العشرة هذه التسمية لكثرة عددهم. كما شاع تسميتها بالأسباط المفقودة أو الضائعة، وبقية الأسباط الأثني عشر، كانوا في المملكة الجنوبية (= يهودا)، وهى: يهودا، وشمعون، وغالبية سبط لاوي . ينظر: سامي الامام، موسوعة الفكر العقدي اليهودي.
ويرى المفكر والفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون(1138-1204م):” أن الأسباط العشرة هم الذين زالوا من الوجود ونفاهم الرب إلى نهر يسمى (سمبطيون) وهذا بالطبع نتيجة مخالفاتهم أوامر الرب، كما يشير سفر أخبار الأيام الثاني كما يورد في تفسيره آية وردت في التوراة، يظن أنها تتحدث عن أولئك الأسباط العشرة، يقول الرب:” قلت أبددهم إلى الزوايا وأمحو من الناس ذكرهم”. (سفر التثنية).
ويعلل اسم نهر (سمبطيون) لأنه يتوقف في أيام السبت، ولأن السبت في هذه اللغة (سَبَتْ) كما في العربية، ومن المعتاد، في لغتهم – على حد قوله ابن ميمون – إضافة المقطع (يون) عند الوصف، فتكون الكلمة (سَبْتِيُون)، ثم (شبتيون) التي أصبحت، بمرور الزمن (سمبطيون).
بينما يرى المفسر اليهودي شلومو يتسحاقي المعروف ب( راشي-1040-1105م) أن (سمبطيون) هو نهر من الحجارة، يجري بها وتتدفق حجارته، دون قطرة ماء واحدة، ويتوقف عن الجريان بالحجارة يوم السبت!. ويعتقد أن جزءًا من الأسباط العشرة نفاهم (شلمنصر) ملك آشور إلى حيث هذا النهر.
وجاء في الأجاداه (فكر أسطوري- القصص والنوادر الدينية) أن الأسباط العشرة يسكنون وراء هذا النهر ولا يمكن الوصول إليهم؛ لأن هذا النهر يهيج ويميج طوال أيام الأسبوع، ويقذف بالحجارة على ضفتيه، لكنه يتوقف ويهدأ يوم السبت.
وبحسب بعض التفاسير فإن الأسباط العشرة تنتظر مجيء المشيَح(= المسيح) الذي سوف يدعوهم للخروج من سجنهم ويحررهم ويضمهم إلى بني جلدتهم، بقية اليهود.
أما التلمود فيورد أن الأسباط العشرة، أعادهم النبي (ارميا) إلى موطنهم الأصلي، وأن (يوشياهو بن أمون) كان ملكًا على مملكة (يهودا) وعليهم في آن. وأن الـ (تناخ – أسفار التوراة والأنبياء والكتب) يتضمن إشارة إلى تلك العودة في (أخبار الأيام الثاني 30 : 1 – 11).
لقد ألهبت تلك التفاسير الخيال اليهودي، ولا تغادر الأساطير التي تتحدث عن الأسباط العشرة، ونهر (سمبطيون) أفكار اليهود عبر العصور منذ أحداث النفي إلى بلاد آشور، وتجد لها صدى في طقوس السبت كتذكرة بأولئك الذين بددهم الرب ونفاهم خلف هذا النهر. وكذا كثير من الرحالة اليهود وغير اليهود خرجوا للبحث عن أولئك المفقودين، عسى أن تتحقق معجزة ويتم العثور عليهم.!
يشار إلى أنه يوجد باب في القدس يسمى باب الأسباط، يقع في الحائط الشرقي، يعود تاريخه إلى عهد السلطان سليمان القانوني(1520-1566م)، وسُمي أيضا باب القديس إسطيفان، وباب الأسود؛ لوجود تمثالين لأسدين على جانبي مدخله.