تعتبر الشعائر الدينية من الامور التي يستشعر من خلالها الانسان بروحانية خاصة، تجعل منه شخصية ملكوتية، لان الروح تمتزج مع بارئها، واحيانآ تمتزج مع ولي من اولياء الله، وهذا هو سر من الاسرار التي جعلها الخالق مرتبطة بأوليائه الصالحين ، وهو ما اشار اليه القران الكريم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) بعدها اكد عليها النبي الأكرم ( تَركتُ فِيكم الثَّقلين، ما إن تمسَّكتُم بهما، لن تضلُّوا، كِتابَ اللهِ، وعِترتي أهلَ بيتي) وهذا ما تعارض مع مبادئ وقيم الحكومات المتعاقبة، وتمثل بالدولة الاموية تارة ، والدولة العباسية تارة اخرى، حتى اصبح هارون يلاحق الامام الكاظم (عليه وعلى اله السلام) لا لشئ ، إلا لانه مدرسة متكاملة في دنيا الانسان في العلم والمعرفة، والصبر، وجهاد النفس والكلمة.
لقد كان عصره زاخرا بالتيارات والمذاهب الفلسفية والعقائدية، والاجتهادات الفقهية، ومدارس التفسير والرواية.
كانت تلك الفترة التي عاشها الامام ، من اخطر الفترات التي عاشها المسلمون، فقد تسرب الالحاد والزندقة، ونشأ الغلو، وكثرت الفرق الكلامية التي حملت آراء وافكار اعتقادية شتى، وتعددت مذاهب الفقه، ودخلت علوم عديدة في استنباط الاحكام واستخراجها، كالمنطق والفلسفة والكلام وعلوم اللغة ، وكل هذه المواقف وغيرها أغاضت الدوله العباسية المتمثلة بالرشيد العباسي، لذا قرر هارون الرشيد تصفية الامام جسديا ، حتى اودعه السجون يتنقل من سجن الى اخر ، فكان يردد دعائه المشهور ( إلهي كثيرًا ما كنتُ ادعوك أن تفرغ لي موضعً لعبادتك وقد فعلت لك اللهم الحمد على نعمائك والائك) وكان الامام يحرص على شيعته ومحبيه من بطش هارون حتى اوصى لهم ( إن اذا رأيتموني بالطريق فلا تسلموا عليه )، حتى طلب الرشيد من عيسى بن جعفر والي البصرة قتل الامام! واستعفاه من ذلك، وطلب نقله من سجنه ، فنقله الى سجن الفضل بن الربيع ، فأثرت شخصية الامام في نفسه ، ورفض قتل الامام . فلم يجد الرشيد بدا من نقله الى الفضل بن يحيى ، فاستلمه الفضل بن يحيى ، وطلب منه الرشيد ان ينفذ في الامام جريمة القتل فرفض .
ولم يجد هارون الرشيد في انصاره وحاشيته افضل من مدير شرطة بغداد ، السندي بن شاهك ، وكان فظا غليظا قاسيا ، حيث وضع الامام ، في سجنه وعامله معاملة خشنة وقاسية وارهقه بالسلاسل والقيود .
تشاور هارون الرشيد مع وزيره يحيى بن خالد في قتل الامام الكاظم (عليه واله السلام) فتوجه يحيى الى بغداد حتى اجتمع بالسندي بن شاهك ، وقدم له صورة المخطط وكيفية تنفيذ الاغتيال ، بواسطة دس السم في الرطب وتقديمه للامام، فتناول الامام الطعام ، واحس بالسم يسري في جسده الطاهر ، وبقي ثلاثة ايام يقاوم السم ، حتى فاضت روحه الطاهرة في اليوم الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة للهجرة ، .
رحل من سجنه شامخا معطاء في المبدأ والفكر والارادة لا يدانيه احد .
فلينظر من يعادي هذه الشجرة المثمرة ، اين الملوك والسلاطين الذين عادوا اهل بيت النبوه ، هل تجد لهم أثر يقتدى به ؟ حتى اصبح رجل السجون شامخآ تأمه الناس من كل حدب ودب .