23 ديسمبر، 2024 6:54 ص

يتساءل العالم عن ظاهرة تبلد الاحساس ومنها مشاهدتك لفيديوهات لأناس تحتضر وتموت ولكن لا ترى فيها من يسارع للنجدة، بل ربما يقول المصور للفيديو “اليس من أحد ينجد هذا المسكين”، والناس تسير وتلتف من حوله وكأن المنطرح هو كيس جامد وليس آدميا.
لم يخلق الله من يعمل لذاته الا شططا، وهل يأكل الشجر ثمره او تشرب الانهار ماءها؛ كذلك الانسان لم يخلق ليكون فعله لذاته وحسب لكن كما يسقى الشجر ويدارى وكما تكرى الانهر لتنظيف مجراها، يعمل كل في عمله لخدمة الاخرين، لكننا اليوم ومن خلال عجز الدول وقوانينها، قتلت الاخلاق بسلوك الميل للسلامة، فلا يدفع الانسان لعمل الصالح وانما تعان الاهواء وتبطل مكارم الاخلاق وتغيب الادمية.
المتعارف في السياسة والروابط الهابطة اليوم، هو انصر من معك، من هو في حزبك أفضل ممن خارجه ولو خدمك او سهل امرك، من هو من قومك او عشيرتك تنصره حتى لو كان من تنصر عليه قامة من قامات الامة والبلد، ومن مصلحتك معه على من لا مصلحة لك عنده؛ هذه النفسية المشوهة في انحاء الارض افسدت الارض انها ضعف المروءة
المروءة والشهامة:
المروءة ليست فعلا وانما قيمة اخلاقية، تضمن الاحساس بالآخرين ومشاكلهم وظلمهم او حاجاتهم، فهي سمة آدمية اخلاقية ومن مقومات الانسان ليكون هنالك مجتمع والفة وتفاعل إيجابي واهتمام بلهفة الملهوف او التأهيل النفسي لنجدة المحتاج لكل هذا.
اما الشهامة: فهي السلوك المعبر عن المروءة واظهار القيمة على الواقع بالتفاعل العملي ونقل المشاعر من الداخل الى فعل له وجود وأثر وهو ما يكافئ عليه رب العباد ويمتدح من المجتمع السليم.
ما يحصل اليوم:
في الكتل البشرية اليوم هنالك مروءة لكنها قتلت عند الاكثرية بالأنانية وهي تراجع للآدمية في البشرية، احساس الانسان انه وحده، وان أي فعل يتجاوب مع المروءة سيجر عليه قلق وتعطيل لمنافعه، وئد المروءة بعد ان كانت تنمو فتقتل بالطغيان، سواء طغيان السلطة او المادة او النفوذ الذي يمارس استبدادا خفيا وراء حماية خارج القانون، او أي حالة للتفكك وثغرات في سلامة العقد الاجتماعي.
قتل المروءة باستغلال القيم والاعراف لفعل مخالف، كان يستغل ذوي الاحتياجات الخاصة في عمل لا يتناسب والعطف عليهم، او استغلال المرأة بما يشكك في خدرها او انوثتها، أي بالمجمل استخدام محرمات الاعراف او ما تحترمه في امور مشينة في السلم والحرب تضر بالإنسانية او امن المجتمع فيجعلها عرضة للانتهاك وهذا يفكك اواصر الاعراف التي تكون فاعلة في الشهامة وبالتالي المروءة كقيمة.
ضعف المروءة يأتي من فساد النظم احيانا بما يضغط على انسانيته فيجردها من اعانة الغير باستنزاف الصبر في المعاملات التي لا تنجز وفق اصولها او بما تحتاج من وقت او وفق نظام، وتجاوزات بالمحسوبية والرشوة، او بتقصير الدولة عن تحديث الاساليب في الاجراءات بما يسهل المعاملات بشكل نظيف، مثلا معاناة المتقاعدين من الاجراءات وقوانين تغبن حقوقهم وحرمان المتقاعد من العيش الكريم بقية حياته، اهانة تنتقل كالفايروس في اضعاف المروءة والشهامة عند جيل يشهد معاناة والديه من سلوكيات الفاسدين او ظلم القوانين، او سلوكيات انتقامية ضد القامات والكفاءات.
وقد يكون الاستنزاف للمروءة وغياب الشهامة بالتركيز المبالغ به على الخصوصية والاهتمام بالشأن الخاص دون النظر الى الجار او الاقارب، او تضعف الاستجابة نتيجة المشاكل التي يتسبب بها الاقرباء وكذلك الجار وبأنانية واضحة تحول قابلية العطاء الى غفلة واستغلال، فهذا كله يقمع المروءة والشهامة عند حملتها فلا تظهر لأنهم سيتعرضون للمخرجات او النتائج دون دعم حتى ممن ساعدوهم في استعادة حقوقهم ولو بكلمة حق، فهذا المتضرر مراجعة اوامر مروءته قبل ان تتحرك ارادته كانسان شهم يسد لهفة الملهوف.
هذه إذا كلها تأتي من الانا، لا علاقة لها بالمعرفة لأننا نلاحظ مع زيادة المعرفة هنالك ضعف في العزيمة او التفكر وبالتالي تواري للحكمة، ولو قلنا ان الحكمة تأتي بالتجربة فالتجربة معرفة، لكن تحتاج الى فهم ودرس قبل ان تتحول الى معطيات لقرار، كذلك ما تحول الى خوف امام القانون عرفا يصبح ما يشبه البلادة كتصوير اشخاص يتشاجرون لكن لا أحد يفصل بينهم لان الشرطة ستعامله كطرف وربما لا حقوق له ان اصابه اذى.
الموضوع أكبر من مقال، لكن محاولتنا هنا فتح نافذة على ظاهرة عالمية ولدتها الانانية والابتعاد عن القيم العليا بتبرير متطلبات العصر جذبني لها امرأة تحتضر دون ان يحاول أحد انقاذها بل يصورون العملية ببلادة وكأنها براءة لهم لأنهم مروا بهذا الحدث وان سألتهم قالوا لا نريد ان ندخل في سين وجيم.