23 ديسمبر، 2024 5:35 ص

قيمة العمل في الدولة المسلمة ورعايتها للمصالح العامة

قيمة العمل في الدولة المسلمة ورعايتها للمصالح العامة

من واجب الدولة المسلمة فتح فرص العمل ومجالاته للمواطنين، فقد مكن رسول الله (ﷺ) لأهل خيبر من مزاولة العمل في الزراعة، وفتح عمر في أرض السواد فرصاً لعمل المواطنين بدلاً من توزيعها على الجنود الفاتحين ،كما أنه من واجب الدولة رعاية المصالح العامة، وهي مطالبة بـــــــ:
أ ـ تهيئة فرص العمل ، وتمكين كل القادرين بما يناسب كفاءتهم من الوظائف ؛ لأن ذلك من الفروض الكفائية العامة الواجبة على الدولة.
ب ـ رعاية العاجزين عن العمل كمن أقعدته عاهة ، أو مرض ، أو ضعف بدني ، أو شيخوخة عن العمل ، والإنفاق عليهم من المال العام ؛ لأن من عجز عن الكسب من المسلمين وغيرهم ، فعلى المسلمين أو السلطان نفقته من المال العام [التعايش السلمي، هدايات ص، 337].
ج ـ تحفيز العمال والموظفين على الاجتهاد في العمل بمختلف المحفزات المساعدة على توفير أجواء الاستقرار النفسي والاجتماعي، وفي مقدمتها تزويج غير المتزوجين من الموظفين ، وتمكينهم من الأعوان والمساعدين ،
وتوفير السكن الوظيفي لكل من ليس له سكن على حساب المال العام ، كما قال رسول الله (ص): «من كان له عامل فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة ، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً ، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً ، ومن اتخذ غير ذلك فهو غالٍّ أو سارق».
وكل هذا من اكد المصالح الاجتماعية الكفائية الواجبة على الدولة ، وليس منّةً منها ولا إحساناً ، وهذه القواعد الشرعية ، والقيم التكريمية تحتاج إلى تفعيل في واقع مجتمعاتنا بين الباحثين عن العمل وأصحابه والدولة ، ومما يساعد على تفعيل القواعد والأصول المذكورة إعادة تشكيل العقلية العامة للشعوب في اتجاه إقناعها بأهمية توزيع الخبرات بشكل عادل بين الناس ، وتقسيم فرص العمل دون تمييز بين أفواج المعطلين ، ومساعدة ذوي الكفاءات على إيجاد مشاريع عمل يكسبون بها قوتهم اليومي ، ويساهموا في ارتقاء شعوبهم ، وتطوير دولهم.
لقد رفع الإسلام من قيمة العمل ، وحث عليه ، قال تعالى: ُ {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ *} [الملك: 15] .
ومن واجب الدولة فتح فرص العمل ومجالاته للمواطنين ، فقد مكن رسول الله (ص) لأهل خيبر من مزاولة العمل في الزراعة ، وفتح عمر في أرض السواد فرصاً لعمل المواطنين بدلاً من توزيعها على الجنود الفاتحين.
كما تقوم الدولة بإزالة كل ما ينقص من فرص العمل ، فقد أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من يد بلال قطعة أرض زراعية أهداها إليه رسول الله (ص) ، ولكنه تركها دون أن يحييها.
وتحرص الدولة على إيجاد مجتمع عامل منتج لا مستهلك ، ومن واجبها
تشجيع المواطنين على الكدح الدؤوب ، وتأديب الكسالى عن العمل ، فقد أمر الرسول (ص) رجلاً فقيراً بالاحتطاب بدلاً من المسألة ، فيقول: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً ، فيعطيه أو يمنعه».
وطرد عمر رضي الله عنه رجلاً يجلس في المسجد يدعو في الساعات التي ينطلق فيها الناس إلى أعمالهم ، قائلاً قوله المشهور: إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.
وعلى ذلك وإن كان لأي فرد أن يترك عمله ؛ إلا أنه مشروط بعدم الإضرار بالمصالح العامة ، وإلا فمن حق الدولة إجبار العاملين بأجرة المثل إذا امتنعوا عن العمل ـ أي: أضربوا عنه ـ وكان في الناس حاجة لصناعتهم ، وحرفهم.
ومن الغني عن البيان أنه لا يختلف في ذلك مواطن مسلم وغير مسلم ، والتاريخ الإسلامي شاهد بذلك ، قال ادم ميتز: ولم يكن في التشريع الإسلامي ما يقلق أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال ، وكانت قدمهم راسخة في الصنائع التي تدر الأرباح الوافرة ، فكانوا صيارفة وتجاراً ، وأصحاب ضياع وأطباء ، بل إن أهل الذمة نظموا أنفسهم بحيث كان معظم الصيارفة الجهابذة في الشام مثلاً يهوداً ، على حين كان أكثر الأطباء والكتبة نصارى ، وكان رئيس النصارى ببغداد هو طبيب الخليفة ، وكان رؤساء اليهود وجهابذتهم عنده[ التعايش السلمي، سُورحمن هدايات، ص 339].
كما يتبع حرية العمل حق التنقل والانتقال ، وتوفير الدولة بكافة سبل الأمن والراحة لمواطنيها في أطراف الدولة لاختيار المواطنين العمل المناسب ، والأجر المناسب ، والمكان المناسب ، وأن الانتقال والسفر والضرب في الأرض يعتبر عذراً للإنسان في الرخص الشرعية ، وقدم القران الكريم عذر العمل على عذر المجاهد ، قال تعالى: َ {عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20].
كما يتفرع على حرية العمل حق العامل في الانضمام إلى تنظيم عمالي يضم أفراده حرفته ، أو مهنته لتنسيق الأعمال والمطالبة بالحقوق ، وتنظيم الأجور والأوقات ، بما لا يضرّ بالمصلحة العامة [التعايش السلمي ، سُورحمن هدايات، ص 339].

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: “المواطنة في الدولة الحديثة المسلمة”، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب: ” التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم”، لسورحمن هدايات.
المصادر والمراجع:
التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم، سورحمن هدايات.
المواطنة في الدولة الحديثة المسلمة، د. علي محمد الصلابي.