23 ديسمبر، 2024 1:45 ص

قيمة الديموقراطية عند المصابين بذهان عقائدي شديد

قيمة الديموقراطية عند المصابين بذهان عقائدي شديد

لنتحدث في موضوعة الانتخابات، وإن كنتُ لا أحبذه من حديث، ولكن مصير ملايين العراقيين متعلق بما يخلص اليه المتصارعون الشيعة كنتيجة نهائية لصراعهم، فقد ينحدرون الى مواجهة عنيفة، أو يتوافقون، وعليه؛ تتوقف مصائر الجمهور الشيعي على قرار يصدر من القادة الشيعة فإما يكون حارًا أو باردًا، ومن قبل صدر قرار من السيد المالكي وقرار من السيد الصدر حولّا شوارعنا الى مسالخ تُجزَر فيها الجموع إذ أقتتل فرسان الشيعة وجيش المهدي الشيعي وأنتهت الحرب الشيعية بفاجعة مدوية، ورحم الله القاتل والمقاتل والمقتول، فسيدنا نوري وسيدنا مقتدى أقتتلا، ولا تثريب على من أجتهد واخطأ وله أجر، وللمصيب في اجتهاده أجران.
هذه العقلية الدينية المتحكمة بالقادة والجمهور لم ولن تتوافق مع الديموقراطية، فالسيد المقدس لم ولن يرضى بجمهورٍ يتعامل بحرية الرأي، والمعمم لم ولن يسمح لأتباعه رفع النظام الديموقراطي فوق المنتظَم الديني، وهيهات أن يتفق الدين مع الحرية، فحكم الشعب وحكم الله حكمان على طرفي نقيض، وبحسب المنطق النقيضان لا يجتمعان.
هل يُعقل أن ينقلب رأي ولي الله من عقيدة الولاية المقدسة والحكومة الربانية الى مجال الحياة فيعترف بضرورة الامتثال لدولة المواطنة المدنية القائمة على أرض الواقع وينزل بعقله من علياء الغيب والفكر السياسي الماورائي؟.
بعد الانتخابات العراقية الاخيرة والتي لجأ لها الاسلام السياسي الشيعي للخروج من نفق الغضبة الجماهيرية العارمة وقد تم التخلي عن عادل عبد المهدي كقربان وتقديم اضحيات أخرى؛ أمتنع الخاسرون من الجهاديين الشيعة العراقيين عن تقبّل نتائج التصويت المناطقي ( الدوائر المتعددة ) وافصحوا عن قرار يُقدسوه مفاده أن الديموقراطية والدستور وسلطة الدولة وإرادة الشعب أدنى من أن تُقرر مصير السلاح المُقدس، فسلاح المقاومة المهدوية يسود على الدولة ونظامها ودستورها وشعبها وتحالفاتها وعلاقاتها الدولية وأن هذا الرأي العقائدي القطعي لا يقبل الحوار والتفاهم والمشاركة والتعددية، وكل رأي آخر في نظره كفر وخطيئة وصوت شيطاني وكما أكد ذلك ومن وقت مبكر الولي الفقيه علي خامنئي:
( كل شخص في ايران وخارجها، وكل جماعة، كل وجه، كل شخصية كبيرة أو صغيرة؛ يعمل ضد الإسلام وضد الثورة الإسلامية وضد القوى ” المجاهدة ” في سبيل الاسلام، يُقدم على خطوة أو ” يحمل قلمًا ” أو ” ينطق بكلمة ” فهو في خط امريكا ولا نقاش في ذلك.
وهذا الاصطفاف هو الاصطفاف التاريخي المعروف، يعني؛ خط الله وخط الشيطان)….
نحن نعلم أن ولاية الفقيه الخامنئية هي المرجعية للقوى المقاومة العراقية الشيعية، والخامنئي في عقيدتهم نائب الإمام المهدي الغائب منذ أكثر من الف عام، وأن تقديس الولي الفقيه تقديس للإمام والنبي والله، فكيف لمدني أو نظام ديموقراطي التفكير؛ مجرد التفكير بإحتمالية التفاهم مع هكذا عقيدة..
المواطنون الشيعة الولائيون يطلبون حكومة يرأسها شخص في نظرهم: سوبرمان، غائب، لا يُعلم له وصف أو مقاس طول أو ملبس أو مكان أو نبرة صوت، في يده ملكوت السموات والارض، يظهر فيوحد العالم تحت حكومته وعاصمتها الكوفة. الى أن يتحقق حلمهم المقدس -وهو حلم- سينبذون كل دولة وكل نظام وكل دستور وقانون ومنتظم بشري حقوقي.
نخرج بخلاصة مفادها أن من شيعة العراق من يدين بالولاء ويُعلِن انتماءه لتلك الدولة المفترضة وزعيمها المفترض ونظامها المفترض ولن يعترف بأي دولة مهما بلغت من الرقي والتقدم والرخاء والنظام الحقوقي، ولن يرضى بغير الدولة المفترضة بديلا، ولا أمل البتة في تقدير قيمة الديموقراطية من قِبل المصاب بذهان عقائدي شديد( الذهان هو حالة غير طبيعية للعقل تؤدي إلى صعوبات في تحديد ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. قد تشمل الأعراض معتقدات خاطئة “أوهام” ورؤية أو سماع أشياء لا يراها الآخرون أو لا يسمعونها ” هلاوس” / ويكيبيديا).
لا داعي للتعجب والحيرة أمام هذا العطل المُعقّد الذي أصاب النظام الديموقراطي العراقي بعد الإنتخابات الأخيرة، فالذهان العقائدي بلغ درجة متقدمة من الشدة.