في عام 1977, وبالتحديد في 18 و19 من يناير, حصلت انتفاضة شعبية عارمة في مصر ضد الغلاء, حيث أطلقت الحكومة المصرية في تلك الأيام, مشروع موازنة يرفع أسعار العديد من المواد الأساسية, كإجراءات تقشفية لخفض العجز, معللين الساسة المصريون ذلك لارتباطهم باتفاقات مع البنك الدولي, لكن كانت رد الشعب المصري كبيرة جدا, بانتفاضة واسعة أطلق عليها انتفاضة الخبز, أثارت مخاوف السادات حتى أطلق عليها السادات اسم ” ثورة الحرامية” لتقليل شان المنتفضين, وبعد ذلك تراجعت الحكومة المصرية بسرعة, لمطالب الجماهير الغاضبة.
ما أشبه اليوم بالبارحة, فما جرى لمصر قبل 41 عام يجري علينا ألان, خطوة بخطوة, حيث نعيش فترة عصيبة جدا, فالسادات نعت المنتفضين بالحرامية, وهذا يذكرنا بصدام وكيف نعت ثوار الجنوب بالغوغائيين لتقليل شانهم, واليوم يسموهم بالمندسين والمخربين! فالطغاة متشابهون, وهذا يدلل على حجم الضغط الذي وجهته الحركة الجماهيرية, مما دفع بالسلطة لمحاولة تقليل الشأن,
لكن نختلف عن المصريين بالخمول مقابل نشاطهم الكبير, استسلامنا أضاع حقوقنا, أننا نملك طاقات كبيرة يمكنها قلب الموازين, فقط تحتاج لمن يوظفها كي يتحقق العدل, والأمر لا يحتاج لتدخل أعجازي, فقط أن يأخذ النخب والمثقفون دورهم فتتحرك الجماهير.
وكما حصل مع مصر في عام 1977 , ألان العراق ارتبط باتفاقيات مع البنك الدولي, ويجب الوفاء بشروطه, ومن ضمنها تقليل الدعم عن المواطن, وقضية هموم المواطن غير مهمة للساسة, بقدر الحصول على قروض تمد الخزينة بالمال, وهكذا كانت الحكومة رويدا رويدا ترفع يدها عن دعم المواطن, كما حصل مع الحصة التموينية والتي كانت في عهد الطاغية جيدة ومن 12 مفردة وتساعد العائلة الفقيرة, لكنها تبخرت في عهد طغاة الديمقراطية! حيث قسوتهم تخطت حدود قسوت صدام, فالشعب العراقي لا يهمهم ان جاع أو عانى, وحصل كل هذا من دون رفع القدرة الشرائية للمواطن, وهذا يعني ان الحكومات العراقية “الديمقراطية والشريفة جدا” تعمل على سحق المواطن.
نحن لا ندعو للفوضى, لكن نطالب الشعب بان يكون قوة ضاغطة وبالطرق القانونية على الحكومة والبرلمان, كي يحققون مطالب الجماهير, وانظر ماذا فعلت تظاهرات الجنوب بالحكومة, جعلتها ترتبك وتستجيب بالإكراه! فلقد كشفت لنا التظاهرات ان الحكومة لا تعمل الا بالشتيمة والتهديد و”العين الحمرة”, ويجب ان يحفظ العراقيون الدرس جيدا.
ان الحال السيئ للعراق هو نتيجة سكوت الشعب أمام نذالة الساسة, ولصوصية الطبقة الحاكمة النتنة, فالصمت لا يأتي بالحقوق,وعدم التنظيم يحول الجهود إلى بخار لا نفع منه, فعلى الجماهير إن تنظم عملها وتحدد برامج واليات عمل, مثلا ليكن الشهر القادم مثلا للمطالبة برفع مفردات الحصة التموينية إلى 12 مادة كما في السابق, مع التشديد على توزيعها في توقيتات ثابتة مثلا كل رأس شهر, والضغط يجعل الحكومة وأحزابها العفنة تطيع خوفا من الشعب الساخط, ويكون شهر أيلول مثلا للتظاهر في كل العراق لحل أزمة السكن وتوزيع قطعة ارض لكل عراقي, وصدقوني ستستجيب الحكومة, لأنها حفنة من الجبناء, وتخاف الصوت العال والحراك الجماهيري.
وهكذا يصبح التظاهر محدد بهدف بدل تشتيت الجهود, ويكون أكثر نفعا وتأثيرا, فهل سيتحول الشعب لقوة ضاغطة على الحكومة والأحزاب, كي تقوم بعملها وتتحمل مسؤولياتها؟