في المجتمعات المعاصرة تكون الأقلام أعمدة أساسية في البناء الديمقراطي , ورسالتها واضحة , وهي قول الحقيقة والعمل على إظهارها بشجاعة معززة بأدلة وبراهين؟
وإذا فقدت الأقلام رسالة الحقيقة , فلا وجود للديمقراطية مهما توهمنا وتصورنا.
وفي مجتمعات الحقيقة المقهورة , والفساد السائد القدير , لا يمكن القول بوجود ديمقراطية , لأنها مختصرة بصناديق الإقتراع المسيرة وفقا لإرادات لا ديمقراطية.
وخصوصا عندما يكون الرأي مملوكا ومبرمجا بآليات التبعية والمهارات التخويفية والترعيبية الفاعلة في المجتمع , والتي تقودها العمائم المتاجرة بالدين والبلاد والعباد.
فهذه ديمقراطية قطيعية , يتحول فيها الناس إلى موجودات مجردة من قدرات التعبير عما فيها , فهي أدوات للتعبير عن رغبات وتطلعات الذي تتبع وتخنع في ظلاله , وتؤدي له مراسيم الطاعة والخضوع المطلق المبرقع بما هو ديني ومقدس.
ومهما حاولت الأقلام أن تأتي إلى ضفاف الحقيقة , فأنها تبدو شاذة ومعادية للقطيع الراتع تحت أذيال جبة عتيدة , مما يعني أن الأقلام لن تجد مَن يقرأها أو يتأمل ما تكتبه لأنه وبحكمية مسبقة قد أصبح عدوها.
فالحقيقة لا قيمة لها ولا معنى في مجتمعات لا تريدها , وتجد أن من الأفضل أن تتحرك في متاهات الضلال والبهتان والإمعان في صناعة الطغيان , والتلذذ بالإمتهان الذي تمنحه عناوين دينية ومنطلقات وهمية ذات تبريرات تحررها من المسؤولية , وتشحنها بطاقات وقدرات إلقاء اللوم والتبعية على الآخر.
وهكذا فأن الأقلام ربما لا قيمة لها ولا دور في بناء الوعي وتنوير العقول , ما دامت الرؤوس معبأة بما يتنافى والواقع المعاش , وأنها محلقة في فضاءات الوعود الخيباوية والتصورات اللذائذية المتحققة عبر المعاناة الشاقة والمرارات القاهرة الفاعلة في وجودها الدنيوي الفتاك.
ومن الصعب تحرير الناس من الأوهام الراسخة فيها بقوة الدين المستباح والمُصنع , لتمرير النزعات الرغبوية الكامنة في أعماق ذوي العمائم التجارية التي تجني أرباحا خيالية , فما أوفر بضائعها من الدين والبشر التابع القابع في أوعية الأرقام.
فهل من قدرة على وعي الواقع والتحرر من قيود الظلام؟!!