عقلية الطفولة تحكمها نزوات فطرية ناجمة عن متطلبات الحاجة الآنية، ولذا يصر بعض الأطفال إلى الاحتفاظ بأشياء لا تشكل ذات قيمة مادية، ولكنها في نظرهم أنها أهم كنز يمكن الحصول عليه في هذه الحياة. وهنا لابد من وسيلة ما لحفظ هذا الكنز المهم مع العمل على زيادة كميته كلما سمحت الظروف، والتباهي به أمام الآخرين. ولعل أفضل مكان لكنز الطفولة وتعب اللعب والمشاطرة هي (قوطية حليب النيدو) لما تتمتع به من مواصفات يعدها الأطفال مناسبة منها: الحجم الكبير مع درجة لا بأس بها من الأمان في حال تم إقفالها بإحكام فضلا عن الصوت الذي تصدر هي كل يوم يضاف إليها أو ينقص منها شيء. وخير مكان سري لـ(قوطية النيدو) احد زوايا(كرويتة الهول).
الأطفال دائما في سيبل الحصول على هذه الخزانة يحثون أهلهم إلى الإسراع إلى شراء الحليب، وسرعة استهلاكه كي تكون الغنيمة في نهاية الأمر العلبة الفارغة وهي تحتضن(التصاوير) و(الجعاب) و(الدعابل). وقد يتسابق أولاد البيت الواحد للحصول على هذه العلبة المعدنية، عندما تتدخل الأم في تقسم العلب على شكل جدول، وصاحب الحظ الأوفر من يكون أولهم.
يمارس بعض الأطفال حيلة مشروعة من ترغيب الأم المسكينة في شراء حليب (النيدو) من (الاورزدي) او احد الباعة، معللين هذا الحرص بان معلمتهم أوصتهم بشرب الحليب كل يوم لاسيما (النيدو)، ويكون التركيز على العلبة الكبيرة بالذات لأنها أكثر اقتصاديةً وماركة معروفة. الأم تعرف هذه الغاية المبطنة، ولكنها توافقهم الرأي وأحيانا تجهد نفسها في الحصول على العلب الفارغة من إحدى الجارات.
يمكن لعلب الحليب إن تزداد عددها كلما كانت نتائج لعب الشارع الجيدة، لذا يسعى بعض الأطفال إلى الحصول على علبة أخرى في حال كان الفوز نصيبهم، وفتح فرع جديد بعد أن يتم تشميع العلبة القديمة بعد إن لم تعد تستطيع استيعاب الغنائم. وصاحب الحظ السيئ من وصلت به الخسارة إلى التجاوز على كنزه،ولكنه على أمل في الغلبة في الجوالات الأخرى وتعويض الخسارة.