23 ديسمبر، 2024 10:04 ص

في دائرة القانون ، وبين الدعاوى الجنائية تقرأ احيانا عبارة :”وقيدت القضية ضد مجهول”، بعد ان تعجز الاجهزة التنفيذية والتحقيقية من العثور على الجاني، لكن ان تكون هناك قوة مجهولة تدهم وتعتقل بزي اجهزة الأمن وسياراتها فهذه غاية في الغرابة ، وربما من تفتقات عصر الديمقراطية في العراق الجديد.
في الخميس الماضي، اقتحمت قوة كبيرة، مسجد وهيب الفرج، في منطقة زيونة، واعتقلت امام وخطيب المسجد والمؤذن، واقتادتهم الى جهة مجهولة ، فيما كانت داخل المسجد قوة ثابتة من الشرطة ، قيل ان افرادها احتجزوا او جرى تكبيلهم عند عملية الاعتقال.
القضية، كما تناقلتها وسائل الاعلام، جرت ليلاً، والقوة مجهولة، والجهة التي جرى نقل المعتقلين اليها مجهولة هي الأخرى ، فيما ذكر شهود عيان ان عملية الاعتقال رافقتها هتافات طائفية.
ولعلنا نتساءل ازاء هذه “المجاهيل” المطروحة : هل تم اعتقال الشيخ ومن معه ، ام جرى اختطافهم؟.
وهل كانت القوة التي قطعت الطرقات برتل من السيارات وتجاوزت كل السيطرات ، أمنية فعلاً، أم ميليشيات؟.
اذا كانت امنية ، فمن حق المتهم ان يعرف تهمته، ويعرف هو وأهله المكان الذي سيحتجز فيه، وان يمنح حق الدفاع عن نفسه بالوسائل المشروعة، وفي مقدمتها توكيل محام عنه، هكذا هو الحال في دولة القانون ، اما في دولة الغاب، فكل شيء مباح ، فالقانون للاقوى يفرضه بطريقته سواء بالخطف والاعتقال او بضرب الرصاص.
اما اذا كانت القوة ميليشياوية ، فعلينا ان نستفهم من اجهزة الامن نفسها سواء الدوريات التي لا تهدأ صفاراتها طوال الليل ، والسيطرات التي تحيط بالمناطق، احاطة السوار بالمعصم، وصولا الى نقطة الشرطة المحيطة بالجامع، والحماية الخاصة الموجودة داخل المسجد نفسه من الشرطة ايضاً، كيف تمكنت هذه القوة من اجتياز كل هذه التحصينات ، وخطفت ثلاثة من المسجد؟.
ربما واحدة من الاشكالات الامنية الموجودة في العراق الجديد هي تعدد الاجهزة، وتداخل عملها، حتى بات لا يعرف المواطن طبيعة ومهمة كل قوة، الى حد وصل الامرالى ان تنصب قوة من الانضباط العسكري سيطرات لها ، ليس بحثا عن عسكري هارب او جندي خلع “بيريته” او لبس حذاءً “بلا قيطان”، او نزل الى الشارع من دون اذن، او هوية عدم تعرض، وانما تفتش وتتفقد مثل أية سيطرة أمنية أخرى.
لا شك ان هذا التداخل خلق ازمة، مثلما اوجد معتقلات ومراكز توقيف غير قانونية، وبالتالي سمح لبعض الميليشيات المتنفذة او المدعومة ، بحسب بعض وسائل الاعلام، الى ممارسة دور الشرطي ورجل الامن، ومن ثم تنسب حوادث الخطف أو الإعتقال، القتل أو الإعدام، الى قوة مجهولة، وهذا بالتأكيد لا يعفي المؤسسة الامنية من المسؤولية ، على قاعدة ” ولي الدم” التي طرحتها الحكومة مؤخراً، وبالتالي لابد من ملاحقة اولئك الذين يقتلون الناس ويخطفونهم او ينفذون احكام الاعدام على الهوية الطائفية، ما دام “الدم بالدم” والمسؤولية تحتم محاسبة الجهاز الامني بتهمة التواطؤ ازاء اية حالة اختراق ، وليس مجرد تقصير بريء وعابر، والا ما قيمة وجود اكثر من جهاز أمني، واكثر من قوة، والأمن مستلب، والقتل يجري بوسائل عدة ، سواء بالمفخخات او العبوات او المسدسات الكاتمة، او بإنتحال صفة رجال الأمن، على أساس حسن النية، لكن الأدهى أن لاتكون إنتحالاً، وإنما تبادل أدوار، شبيهة بلعبتنا عندما كنا صغاراً والمعروفة بـ” شرطة وحرامية”، لكن مع الفارق بين لعبة بريئة، وبين أخرى، يروح ضحيتها أبرياء.    
نتمنى ان يعاد النظر بالإجراءات الخاصة بعمليات الدهم والاعتقال من أجل إعادة الثقة بالمؤسسة الامنية ، من خلال اتباع الحقوق الاساسية التي نص عليها الدستور، مثلما نصت عليها مواثيق حقوق الانسان الدولية والمحلية، وان لا يؤخذ متهم الى مجهول، ولا يحتجز الا بموجب مذكرة قضائية، ولا يتحول الليل الى كابوس، تنفذ خلالها حملات الاعتقالات ودهم بيوت الناس وترويع الصغاروالكبار معاً.
يا سادة يا كرام ، هناك فرق بين عمل الدولة واجهزتها.. وعمل اللصوص وارباب الجريمة .. ولابد من ان يأمن المواطن من جانب الاجهزة الامنية ، ولا تصبح مصدر ترويعه وتخويفه.
القضية ببساطة ، نحتاج الى تفعيل القانون .. والالتزام بالدستور، ومعاقبة اي انسان مهما تبوأ من مسؤولية ، عن أي تجاوز لحقوق الانسان.
دعونا نسدل الستار عن هذا العنوان “قوة مجهولة” ونعيد القانون .. ليحكم وحده .. ونحدد مهمات كل جهاز أمني أو عسكري .. حتى لا نسمح للعصابات ان تمارس دور الشرطة ، وان لا يكون هناك مكان سري للاحتجاز او مجهول ، وان نعيد الى الاذهان تلك القاعدة الشعبية التي تقول :”حرامي لا تصير سلطان لا تخاف”.