يخضع الإنسان منذ خلقه إلى مجموعة من التأثيرات بعضها تتعلق بالجانب التكويني الإلهي والبعض الآخر يتعلق بالجانب السيكولوجي المبني على ظروفه الحياتية منذ ولادته حتى بلوغه .
أما فيما يتعلق بالجانب التكويني فلا نرغب بالخوض في تفاصيل هذه الجزئية كونها تحمل بين طياتها بعض الأمور الخلافية غير أننا ارتأينا أن نوضح بعض الجوانب الرئيسة منها إلا وهي أن الإنسان بطبيعته لديه بعض القدرات العامة لجنسه من بينها قدرته العقلية ومداه البدني فضلا عن بعض الجوانب العاطفية والفطرية المتعلقة بمن يحيطون به في المجتمعين العام والخاص إلى آخره من الأمور .
أما الجانب السيكولوجي المكتسب جراء ظروف آنية دخيلة على الإنسان فهو محور حديثنا خلال المقالة كونه يؤثر بنسبة كبيرة على اتجاهات الفرد في حياته وما إذا كانت تلك الاتجاهات تسير نحو نجاحات أو إخفاقات للمعني وهو ما نسميه في علم النفس القدرات الذاتية لشخصية الإنسان سواء كان رجلا أم امرأة ، فيما نسميه في حديثنا الدارج بقوة الشخصية وقدرتها على مواجهة الظروف الاستثنائية ، إن هذه القوة وللأسف يراها الناس بتفسير مغاير تماما للواقع حيث يفسرها البعض وهم الأعم أنها تعتمد على قدرة الفرد في التأثير بالآخرين وجذبهم إليه وجعل الشخصية نواتا يلتف حولها أعضاء مجتمع الفرد معتبرين إياها مثلا وقدوة لهم في حين يذهب البعض إلى تقليدها في بعض المجالات .
إن هذا التفسير يخالف تماما الحقيقة حيث أن قوة الجذب لا تعتمد نهائيا على الطاقات المنبعثة من الشخصية التي نحن بصدد الحديث عنها إنما بالرغبة الموجودة لدى المنجذب في أن يكون أو يكونوا على هذا النحو من خلال ترسبات وأفكار العقل الباطن ومن ثم فهم ينجذبون لا إراديا إلى الشخصيات التي تحمل بعضا من هذه الترسبات ولن تكون بالضرورة شخصية واحدة بل شخصيات متعددة تحمل كل منها جزءا من هذه الترسبات أي أن أصحاب الصفات الجاذبة لا يمتلكون أي طاقات أو قدرات لجذب الآخرين بل العكس هو الحقيقة بعينها إن طاقات المنجذبين هي التي حركتهم باتجاه الفرد المعني ونعتقد أن الصورة باتت واضحة الآن في هذه الجزئية من التصور الحاصل لدى السواد الأعظم من الناس حول هذا المفهوم .
الآن جاء وقت التحدث عن الحقيقة الغائبة عن معظم المهتمين بهذا الشأن وهي أسرار قوة الشخصية كما يسميها الناس أو القدرات الذاتية للإنسان في المصطلحات العلمية ، إن قوة الشخصية تعتمد عزيزي القارئ بالأساس على قدرة الإنسان في مواجهة الظروف الحياتية كل بحسب طبيعتها وخصوصياتها أي بمعنى أن الظرف الزماني والمكاني إذا كان سلبيا فالتعامل معه يكون وفق ظروفه والعكس صحيح في حال الظرف الايجابي ولتوضيح أكثر نقصد هنا على سبيل المثال لا الحصر أن مواجهة ما تكون نتيجتها حتمية بالفشل لا يمكن الصمود فيها لأن ذلك سيعرض الإنسان لفشل متراكم يقوده لاحقا إلى انهيار نفسي وتراجع يصعب السيطرة عليه فيما بعد ومن ثم فإن إعادة الانتشار كما يسميها الأخوة العسكريون خلال معاركهم وخططهم في حروب مختلفة تكون لا بد منها للترتيب إلى خطط مرحلية لاحقة تقود الإنسان إلى النصر في معركته الحياتية الكبرى وهي الأهم تحت كل الظروف من أي معركة جانبية مرحلية ربما ستكون مجرد ذكرى فيما بعد وغير مؤثرة على انسيابية حياته بشكل عام .
أما التعامل مع الظرف الايجابي والنتائج المفتوحة على كل الاحتمالات فالصمود فيها ضروري لأنه سيرتقي بصاحبه إلى مقام أعلى وتكسبه ثقة بالنفس وقدرة مضافة في مواجهة الصعاب والتحديات لكن بشرط اختيار الأسلوب الأمثل المسموح به خلقيا ومهنيا ومجتمعيا كسلاح للنزالات أو الجولات وعدم الخروج عن الخط البياني الذي رسمته الإنسانية للإنسان المعني ليكون فردا ناجحا منتجا مثمرا يقتدى به وإلا فإن استخدام المحظورات قد تؤدي به إلى الدخول في العزلة التي تكون فيما بعد بداية النهاية له على صعيد التأثير المجتمعي لشخصيته ، حيث تعتمد القدرات الإنسانية بشكل أساس على قوة الجذب للمرور عبر المجتمعات وتحقيق الغايات وإذا فقد الإنسان هذه القوة سيفقد بعدها كل شيء تقريبا وبما إننا نخوض في شروط النجاح الشخصي نجد أنفسنا ملزمين بتحذير الناس من خطورة فقدان قوة الجذب التي تعد العنصر الأساس لقوة الشخصية أو تعزيز القدرات الذاتية علما أن ما نوهنا إليه في الأسطر الأخيرة ليس بصدد إثارة أي موضوع ديني بقدر ما أنه حديث علمي فلسفي سيكولوجي محتوم .
واستنادا لما تقدم نستنتج أن قوة الشخصية تعتمد بشكل أساس على القدرات العقلية للإنسان المتعلقة في التحكم باساليبه وجعلها أكثر مرونة في ايجاد الخطط والبدائل المناسبة على أساس الظرف الآني وليس المطلق فكلما كان الانسان مرنا ذكيا في استثمار الفرص وتجنب الافخاخ كان أكثر قوة وقدرة بين أقرانه ، بينما يعد الإنسان المنجذب إليه دون ذلك ما هو إلا انعكاسا لتمنيات البعض التي رأوها به ليس إلا والفرق شاسع بين الحالتين ..