22 ديسمبر، 2024 10:52 م

قوانين الأحزاب السياسية … دمار شامل ودائم للعراق ؟!

قوانين الأحزاب السياسية … دمار شامل ودائم للعراق ؟!

القسم السابع والعشرون
لقد نصت الأسباب الموجبة لتشريع قانون الإنتخابات رقم (16) لسنة 2005 ، على ( إن قانون الإنتخابات النافذ رقم (96) لسنة 2004 ، سنته سلطة الإئتلاف المؤقتة في مرحلة تأريخية لها ظروفها الخاصة ، وكان الهدف منه تشكيل جمعية وطنية تضطلع أساسا بمهمة إعداد مشروع الدستور ، وقد تأسس القانون على نظام يعد العراق دائرة إنتخابية واحدة ، وكان هذا النظام ملائما في حينه ، وبإتجاه نظام إنتخابي أكثر تمثيلا للناخبين ، وهو نظام الدوائر المتعددة ، مع عدم إهمال مزية نظام الدائرة الواحدة ، شرع هذا القانون ) ، ولا أعتقد وغيري بأن المدة الفاصلة بين تأريخي صدور القانونين المذكورين البالغة سنة واحدة وأربعة أشهر تقريبا ، تعد مما هو ملائم للشعب العراقي في حينه من عدم الملائم له ، إلا إذا كان ذلك من النفاق السياسي ، بإتجاه دمج نظامين إنتخابيين (نظام إنتخابي أكثر تمثيلا للناخبين وهو نظام الدوائر المتعددة) ، مع ( عدم إهمال مزية نظام الدائرة الواحدة ) الأكثر تحقيقا لمصالح السياسيين ، وصهرهما في بوتقة الخليط غير المتجانس سياسيا وديمقراطيا شفافا ، ولما كان قانون الإنتخابات رقم (16) لسنة 2005 الصادر قبل الدستور ، يسري بأحكامه على إنتخابات الجمعية الوطنية ومجلس النواب والمجالس الوطنية للأقاليم ومجالس المحافظات والمجالس المحلية ، ما لم يوجد نص خاص يقيد ذلك حسب أحكام المادة (1) منه ، فقد رأينا تثبيت بعض الملاحظات العامة التالية :-

*- إن متطلبات العصر الحديث ، تقضي بأن تكون الشروط الواجب توفرها في الناخب والمرشح على حد سواء ومن غير تمييز ، ومثلما هي كذلك في المرشح ، ينبغي أن تكون كذلك في الناخب ، لإمكانية تحقق الحالتين في الشخص الواحد في آن واحد ، شريطة إستخدام إحداهما فقط ، ولأن مقتضيات ما تستلزمه الواجبات من إستخدام وسائل التقنيات الحديثة ، فإن توفر شروط الناخب المتعلم بدلا من الناخب الأمي ، توجب أن يكون مستوى الناخب التعليمي بمستوى المرشح أو أقل منه قليلا ، ولعل في فهم المقصود من شرط ( كامل الأهلية ) بالنسبة للناخب في الوقت الحاضر ، يساعد على تبني شرط حصوله على شهادة الدراسة المتوسطة في الأقل ، وإن كان ذلك من الصعاب التنفيذية التي تستلزم الإستناد إلى نتائج إجراءات التعداد العام للسكان وما توفره من المعلومات اللازمة لذلك ، إضافة إلى متابعة إدخال المعلومات الخاصة بكل من يتأهل لإكتساب صفة الناخب على مدى السنوات الأربع التالية والسابقة لسنة إجراء الإنتخابات ، وحيث يقصد بالأهلية ( صلاحية الشخص لإكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات ، وقدرته على مباشرة الأعمال القانونية بنفسة ) ، فإن بإختلاف درجات التمييز تلك ، ندرك موجبات أن يكون الناخب على مستوى الحد الأدنى من التعليم ، الذي يؤهله لقراءة نصوص الدستور والقانون وشروحاتهما ، وفهمهما بالقدر الذي يجنبه منزلق التأثر بالوعظ والإرشاد السياسي ، الذي لا ينتج غير ما يصب في مصلحة المرشحين الشخصية عند التصويت ، مادية كانت أو معنوية ، ولهذا نجد قلق السياسيين كامن في صعوبة كسب ود وولاء الناخبين المتعلمين المثقفين لهم ، أكثر من خشيتهم من عدم إمكانية إستدراج تصويت الناخبين الأميين والجهلة لصالحهم ، لأن جاهلية العصر الحديث تختلف عن جاهلية العصور القديمة قيما ومبادئ وأهداف .

*- نصت المادة (15/ أولا) من القانون ، على أن ( يتألف مجلس النواب من (275) مقعدا ، (230) مقعدا منها توزع على الدوائر الإنتخابية ، و(45) مقعدا تعويضيا ) . فإذا كان العدد (275) مقعدا ، يمثل نسبة تمثيل المقعد الواحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق ، البالغ عددهم (27500000) سبعة وعشرون مليونا وخمسمائة ألف نسمة على وجه الإفتراض والتخمين ، فما هو السند المبدئي في توزيع (230) مقعدا منها على الدوائر الإنتخابية بنسبة تمثيل أكثر مما هو مقرر من عدد نفوس العراق للمقعد الواحد ، وما هو سند العدالة الديمقراطية التي تجيز إقتطاع (45) مقعدا ( تعويضيا ) من مجموع المقاعد التي يتكون منها مجلس النواب دستوريا ، وليس هنالك ما يشير إلى المقصود من معنى المقاعد التعويضية ، التي لا نراها إلا فرية لا تمت بصلة إلى نتائج الإنتخابات الديمقراطية ، ولا تصب إلا في مصلحة أحزاب وجهات سياسية نافذة ومؤثرة بحكم إرتباطاتها الأجنبية وغير الوطنية ، التي ستحصل على تلك المقاعد بدون نسبة تمثيل محددة لإستحقاقها مثلما هو في مثيلاتها . وما هي الحكمة من أن ( تكون كل محافظة وفقا للحدود الإدارية الرسمية ، دائرة إنتخابية ، تختص بعدد من المقاعد يتناسب مع عدد الناخبين المسجلين في المحافظة ، حسب إنتخابات 30/كانون الثاني/ 2005 ( المعتمد على نظام البطاقة التموينية ) . وعلى غير ما يجب تخصيصه بما يتناسب وعدد نفوس كل محافظة ، وليس بما يتناسب وعدد الناخبين فيها ، الخاضع لعوامل المتغيرات السياسية المختلفة بالزيادة أو النقصان ، كما إن نظام البطاقة التموينية معد من قبل النظام السابق ، المرفوض بكل مقاييس ومعايير أركان العملية السياسية في ظل قوات الإحتلال الأمريكي البغيض للعراق ، كما إنه لا يمثل عدد سكان العراق بعد الإحتلال ، لأن ما جرى عليه من إجراءات التغيير في البنية السكانية للمحافظات ، عقب إستفحال عمليات تهجير السكان إلى داخل وخارج العراق لأسباب سياسية وغيرها ، يؤكد واقع مأساة شعب تشرد بعد أن تمرد على نسيج عيشه المشترك من غير إدراك ووعي مطلوبين وطنيا ، ويثير الكثير من مخاوف التغيير الديموغرافي للسكان المتصل بتطبيق نوايا وغايات القادمين مع قوات الإحتلال ، وما ستؤول إليه نتائج الإنتخابات القائمة على غير عدد نفوس كل محافظة في ضوء نتائج التعداد العام للسكان ، الذي لم يتم إجراؤه لأسباب ممهدة لإحداث متغيرات ديموغرافية مؤثرة على عدد المقاعد التي سيتم تخصيصها في كل محافظة ، ومن ثم إشغالها من قبل كيانات سياسية نافذة بوسائلها السلطوية في كل إنتخابات جارية ، وليس بمفردات مناهجها الفكرية والفلسفية اللازمة لبناء دولة حضارية يكون المواطن فيها الوسيلة والغاية ، وذلك ما لا يحققه القاسم الإنتخابي المستخرج على وفق معادلة المعايير غير السليمة إن لم نقل الباطلة ، لأن إعتماد مجموع عدد الأصوات الصحيحة في الدائرة الإنتخابية بدلا من عدد أصوات الناخبين فيها جميعا ، يعد معاقبة للمواطن على جهله في إستخدام وسائل الإنتخابات بشكل سليم وصحيح ، بعد إقرار إعتماد نتائج جهله القانوني عند تصويته على شرعية الدستور وبدء نفاذه ، وبذلك نكون في دائرة الشرك السياسي مرة أخرى ، عندما نقر القاسم الإنتخابي الذي لا يعبر عن حقيقة نسبة التمثيل المفترضة ، التي يجب أن تكون قائمة على أساس إستخراج القاسم الإنتخابي العام المشترك ، بقسمة مجموع عدد أصوات الناخبين المشاركين في الإنتخابات ، على عدد المقاعد المخصصة في ضوء عدد السكان الحقيقي لمجموع الدوائر الإنتخابية ، لأن طريقة إستخراج ( القاسم الإنتخابي ) المعتمدة ، ستجعله متعدد المقادير والقيمة في كل دائرة إنتخابية ولكل كيان فيها أيضا ، مما سينتج عنه تخصيص مقاعد مختلفة العدد تبعا للقيمة العددية للأصوات الصحيحة للناخبين في كل محافظة ، كما سيجعل قيمة المقاعد المخصصة للكيان السياسي الواحد مختلفة هي الأخرى في كل محافظة ، وتلك من وسائل الإستحواذ على المقاعد البرلمانية بشكل غير مشروع .